Thursday, March 21, 2013

مادة علوم القرآن

الأكاديمية الإسلامية المفتوحة
الفصل الدراسي الثاني لعام 1433 هـ
مادة علوم القرآن
د. عبد الرحمن الشهري
تفريغ المحاضرة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم

من أوجه أهمية علوم القرآن أنه متصل بالقرآن الكريم بشكل مباشر, فالحاجة إليه حاجة ماسة لكل من يتعامل مع القرآن الكريم, لكل مسلم يتعامل مع القرآن الكريم فهو في حاجة إلى أن يعرف مفردات علوم القرآن, لأن علوم القرآن سوف يتحدث عن تعريف القرآن الكريم, المقصود به, ما هي خصائص القرآن الكريم التي ينفرد بها عن الكتب السماوية السابقة, ما الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي والحديث الشريف النبوي, كيف نشأ هذا العلم وتطور, والتعريف, سوف نتحدث عن نزول القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف نزل, متى نزل, ما هو أو ما نزل, آخر ما نزل, أقسام القرآن الكريم من حيث المكي والمدني, الذي نزل في مكة والذي نزل في المدينة, وما نزل بينهما, وما نزل في الغزوات, سوف نتحدث عن أسباب النزول والمقصود بها, سوف نتحدث عن الوحي, كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتلقى الوحي, كيف كان جبريل عليه الصلاة والسلام يلتقي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ويتدارسون القرآن الكريم, ما المقصود بالمدارسة, سوف نتحدث أيضًا عن دلالات الألفاظ في القرآن الكريم, وكيف تفهم القرآن الكريم فهمًا صحيحًا, سوف نتحدث عن أصول فهم القرآن الكريم فهمًا صحيحًا, لأنه هناك أناس اليوم يا شباب يحرفون القرآن الكريم عن مواضعه كما كان يفعل بنو إسرائيل في كتبهم, يحرفون الكلم من بعد مواضعه, فهناك أيضًا من يفعل ذلك مع القرآن الكريم اليوم, ادخل الآن إلى المكتبات وستجد عدد كبير من الكتب التي تحمل القرآن الكريم على غير وجهه وتفسره بطريقة خاطئة, لا تستقيم مع أصول التفسير الصحيحة, سوف أيضًا نناقش في هذا المقرر قواعد التعامل مع القرآن الكريم, قواعد الترجيح بين أقوال المفسرين, سوف تأتي إلى كتاب من كتب التفسير فتقرأ فيه معنى, وتذهب إلى كتاب من كتب التفسير الأخرى تجد كعنى آخر, فتأتي تسأل, تقول: كيف, ماذا أصنع مع هذه الأقوال المختلفة؟ كيف رجح بينها؟ كيف أتعامل معها؟ أيها أقدم؟ أيها أؤخر؟ هذه كلها هي مفردات مقرر علوم القرآن.
وطبعًا تفاصيل كثيرة سوف تأتي معنا -إن شاء الله- أثناء هذه المادة.

نشأة علوم القرآن: هي في الحقيقة نشأت مع نزول القرآن الكريم منذ نزل القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأت علوم القرآن, ويمكن أن نقسم علوم القرآن الكريم حتى.., لكي نفهمها بشكل مبسط إلى أربعة أقسام, إلى أربعة أقسام رئيسية, ويمكن أن أكتبها على اللوح حتى تكون واضحة, ممكن نسميها: محاور علوم القرآن:
المحور الأول: نزول القرآن, وكل ما يتعلق بنزوله, وسوف -إن شاء الله- نفصل فيه.
المحور الثاني يا إخوان: محور كتابة القرآن الكريم, نسميه محور كتابة القرآن الكريم, أو نسميه تدوين القرآن.
المحور الثالث: نسميه تفسير القرآن.
المحور الرابع: ماذا نسميه, يعني نزول القرآن وتدوين القرآن وتفسير القرآن, والمحور الرابع يمكن أن نسميه.., يعني, العمل بالقرآن, يعني هذه المحاور الأربعة, محور النزول والتدوين والنقل والقراءة.., عفوًا.., نعم, وقراءة القرآن, قراءة القرآن, هذه أربعة محاور.
المحور الأول: نزول القرآن الكريم, سوف ندرس في هذا المحور كل ما يتعلق بالنزول, وكيف أنا قسَّمتها, قسمتها تقسيمًا منطقيًا, لأن القرآن الكريم أول ما حديث أنه نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- فندرس هذه المرحلة بكل ما فيها من تفاصيل.
أولاً: كيف نزل, متى نزل, أول ما نزل, آخر ما نزل, ويدخل فيه المكي والمدني, والصيفي والشتائي, والليلي والنهاري, والنومي.., وما نزل في آناء.., يعني هكذا, أو الفراشي كما يسمونه, نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في الفراش, وفيها تفاصيل إن شاء الله ستظهر معنا.

المحور الثاني: محور تدوين القرآن الكريم, النبي -صلى الله عليه وسلم- أول ما نزل عليه القرآن, بلغه للصحابة -رضي الله عنهم- وكان يأمرهم بكتابته, كُتَّاب الوحي, وفي أول نزول للقرآن الكريم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يسمح بكتابة شيء بين يديه إلا القرآن فقط, أي واحد يرغب أنه يكتب أي تعليق أو حديث نبوي؛ ممنوع.
فيقول عليه الصلاة والسلا (لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن, ومَن كتب عني شيئًا فليمحه), فنحن في هذا المحور, المحور الثاني سندرس كتابة القرآن, وندرس الرسم العثماني, وجمع القرآن الكريم والمصاحف وما يتعلق بالمصاحف حتى نصل إلى المصاحف الإلكترونية اليوم, هذا محور كامل يتعلق بتوثيق القرآن ونقله وتدوينه والمصاحف وأنواع المصاحف وتاريخ المصاحف, والحبر والضبط والرسم وكل ما يتعلق بهذا أدخله تحت محور تدوين القرآن الكريم وكتابته.

المحور الثالث: محور فهم القرآن أو تفسير القرآن الكريم, وسندخل تحته كل ما يتعلق بفهم النص القرآني, التفسير, قواعد التفسير, أسابا اختلاف المفسرين, قواعد الترجيح عند المفسرين, دلالات الألفاظ كلها, العام والخاص والمطلق والمقيد والعام وكل ما يتعلق بدلالات الألفاظ في علوم القرآن سوف ندخله تحت هذا المحور هو محور تفسير القرآن الكريم وفهم القرآن الكريم, جميل يا شباب؟
المحور الرابع هو: قراءة القرآن, وربما يكون مكان المحور الرابع أنهه كان في الثاني, والتدوين أخرناه, لكن هي مسألة يعني تنظيمة بسيطة ما فيه مشكلة, لكن الفكرة أن قراءة القرآن محور كامل, كيف قُرئَ القرآن؟ كيف تُلُقي القرآن الكريم, التجويد وما يتعلق بمباحث التجويد, كلها تدخل تحت هذا المحور, القراءات والقراء وتاريخ القراء وتراجمهم, كلها ندخلها تحت محور قراءة القرآن, فيكون معنا يعني أربعة محاور, هذه محاور رئيسية في دراسة علوم القرآن, يمكن أن نسمي محورًا خامسًا, نقول: نسميه مجالات أخرى خادمة لهذه المجالات, مثلاً إعجاز القرآن الكريم, أين ندرسه؟ سندسه في محور مستقل يعين, إعجاز القرآن الكريم, بلاغة القرآن, إلى آخره من هذه القضايا, ندخلها تحت, أو الانتصار للقرآن الكريم والدفاع عن القرآن الكريم, وما هي أصول الدفاع عن القرآن الكريم والانتصار له, والضوابط المتعلقة بها, هذا يمكن أن نجعله في محور خامس, ونسميه هذا المحور مثلاً, نسميه, يعني.., يمكن أن نسميه.., الخماس نقول: المسائل العامة, أو شيء نحوه, لكن نقصد بها, يعني مسائل لا تدخل تحت المجالات الأربعة, وهي مهمة في فهم القرآن الكريم فهمًا صحيحًا.
طيب, اليوم يا شباب إلى مسائل علوم القرآن, نبدأ بالمسألة الأولى العلمية, تكلمنا عن نشأة علوم القرآن أو يعني مقدمة في أهمية هذا العلم, ثم المحاور الرئيسية التي يمكن أن ندرس تحتها مسائل علوم القرآن, وهذه الأربعة: نزوله وتدوينه وقراءته وفهمه.
والمجال الرابع: مسائل عامة تخدم هذه المسائل الأساسية.

نبدأ الآن بالتعريف بالقرآن, ما المقصود بالقرآن الكريم, وأنا أريد أني أسأل مَن عنده المايك, أو الميكروفون منكم يا شباب, عندك سؤال.., القرآن.., عندما أسأل عن القرآن, وأنت كطالب علم يعني تتعامل مع القرآن, ماذا تعرف, ما القصود بالقرآن الكريم؟
طالب: هو كلام الله تعالى المتعبد بتلاوته, المنزل على مبيه -صلى الله عليه وسلم- المتلو والمدون في المصاحف.
الشيخ: جميل, جيد, طيب هل ترون أنتم يا شباب الآن عندما نسأل, نقول: أعطني القرآن, هل يلتبس عليك هذا المعنى بأي شيء آخر, هل ممكن أنك تخطئ فتذهب فتحضر له مثلاً كتاب رياض الصالحين؟ لا.. معروف, صح؟
والقرآن الآن خاصة عند المسلمين, أصبح عَلَم على كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى هذا المصحف الذي يعني يضم بين دفتيه القرآن الكريم, القرن الكريم غني عن التعريف, هذا الكلام.
ولكن نحن عندما نأتي في مقرر علوم القرآن نبدأ بالتعريف, مع أنه معروف ومشهور يعني, العلماء يعرفون دائمًا أي علم أو أي مصطلح, دائمًا يعرفونه لغة ويعرفونه اصطلاحًا.
وهنا نحن نقول: تعريف القرآن الكريم لغة وشرعًا, لغة واصطلاحًا, المقصود بها, تعريفه في اللغة, نقصد بها تعريف هذه اللفظة في لغة العرب, مطلقًا يعني, نذهب إلى معاجم اللغة ونبحث عن مادة قرأ مثلاً, أو مادة قرن, على حسب هل هي مشتقة أو غير مشتقة, فالعلماء عندما يعرفون القرآن الكريم, يأتون فيقولون: نعرفه لغة وأن نعرفه اصطلاحًا, وعندما تأتي إلى التعريف اللغوي, يوقول: هناك من العلماء مَن يقول: أن القرآن اسم جامد غير مشتق, ومنهم مَن يقول: لا, هو اسم مشتق ثم يختلفون في الاشتقاق, هل هو مشتق من قَرَن, من قرنتُ الشيء بالشيء إذا ضممته إليه, قَرَن الشيء بالشيء إذا ضمه إليه, ومنه قول جرير أو الفرزدق, نسيت, هو واحد منهما, أظنه الفرزدق, يقول:

وابن اللبون إذا ما لزَّ في قرن... لم يستطع صولة البزل القناعيس

مَن يشرح لي البيت يا شباب؟
وابن اللبون إذا ما لز في قرن... لم يستطع صولة البزل القناعيس
وماذا تفهم من قَرَنٍ؟ وابن اللبون إذا ما لز في قرن, هي ؟؟ لكن ما هي بالناقة طبعًا, ابن اللبون هو: الصغير من الإبل.
والبازل: الجمل, المكتمل النمو, فهو يقول يعني أن الجمل الصغير, صغير الجمال, إذا وضعته مع ابن اللبون في قَرَن واحد, بمعنى وضعتهم الاثنين في.., القَرَن هو: خشبة يُربط بها الجمل الصغير مع الجمل الكبير, فلن يستطيع هذا أن يجاري هذا, لأن الجمل البازل قوي, وابن اللبون صغير, تمامًا كما لو قلت الآن: أنك لا تسطيع أن تأتي بأستاذ مثلاً متخصص له مثلاً عشرين سنة مع طالب في الخامسة ابتدائي, ثم تجري بين الاثنين مسابقة في تخصص الأستاذ, فنقول هذه مسابقة غير عادلة, لأنك توازن بين واحد له عشرين سنة أو ثلاثين سنة وهو يتعلم ويعلم وبين طفل صغير لا زال في بدابة حياته, فالفرزدق يقول, يفخر بنفسه ويقول:
وابن اللبون -يقصد به خصمه- إذا ما لز في قرن... لم يستطع صولة البزل القناعيس
ما تستطيع أن تجاريني, فالشاهد قولهم: قَرَن هنا, أن القرآن مأخوذ من قرنتُ الشيء بالشيء إذا ضممته إليه, فسميَ القرآن قرآنًا لأنه ضُمَّت آياته مع بعضها البعض فأصبح قرآنًا, هذا الذين يقولون أن نونه أصلية, وهناك مَن يقول أن نونه ليست أصلية..., عفوًا.., أن يقول نونه أصلية ولكنه ليس من قرن الشيء إلى الشي بمعنى ضمه إليه وإنما من القرائن جمع قرينه, وهذه طبعًا مسألة يعني خلافية بسيطة.
والذين يرون أن نونه غير أصلية ليس من قَرَن, وإنما هو من قرأ المهموزة, قالوا: أنه مصدر مهموز من قَرَأ, فيقال: قرأته قرآنًا, فسمي قرآنًا لأنه مقروء, ومنهم مَن يقول: أنه ليس مهموزًا, وهذا كما كان الشافعي -رحمه الله- يرى هذا الرأي, ويرى أن القرآن: اسم عَلَم للقرآن الكريم, غير مهموز, قران, بدون همزن, قران, وهذه قراءة ابن كثير, قراءة أهل مكة, على رأي الشافعي.
فإذن أهل اللغة يقولون, منهم مَن يقول أنه جامد, ومنهم مَن يقول أنه مشتق, ثم المشتق منهم من يرى أن نونه أصلية ومنهم مَن يرى أنها غير أصلية, ثم الذين قالوا نونه أصلية, بعضهم يقول: أنه من قرنت الشيء إلى الشيء بمعنى ضممته, ومنهم من يقول: أنه من القرائن.
واما الذين يرون أنه نونه غير أصلية يرون أنه مصدر مهموز من قرأ بمعنى جمع, يقولو: تقول العرب: قرات الماء في الحوض يعني جمعت الماء في الحوض, ويستدلون على ذلك ببيت من الشعر لعمرو بن كلثوم, يقول:
هِجَـانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَـا...........
قالوا: بمعنى أنها لم تضم في رحمها جنينًا قط.
ومنهم مَن يقول أنه نونه غير أصلية, وكنه مأخوذ على وزن فعلان من قرأ, وليس يعني من المصدر المهموز.
طيب, جميل, هذا ما يتعلق بالجانب اللغوي في القرآن الكريم, والذي يظهر والله أعلم أنه مأخوذ من المصدر المهموز (قرأ) لأن القرآن الكريم بدأ بهذه اللفظة, {اقْرَأْ} أول كلمة نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- {اقْرَأْ}, ثم إن القرآن الكريم يُتلى بالألسنة, ويقرأ في الصلوات ويعني ومن أبرز أوجه التعامل مع القرآن الكريم؛ قراءته وتلاوته والتعبد بذلك, و(اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا), فالذي يظهر والله أعلم أنه من هذا الاشتقاق وأنه من قرأ المهموز, ثم أصبح علمصا على كلام الله سبحانه وتعالى, ونزل في القرآن الكريم هذا فـ   {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9], {شَهْرُ رَمَضَانَ الَذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ} [البقرة: 185], وأصبح يعني علمًا على كلام الله سبحانه وتعالى, إذا قلنا اليوم (قرآن) رأيتُ القرآن, حملتُ القرآن, حفظتُ القرآن, يعني أصبح علمًا معروفًا على كتاب الله سبحانه وتعالى الذي نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-

نأتي إلى المعنى الاصطلاحي وهو مكتوب أمامكم في السبورة, المعنى الاصطلاحي يريد العلماء به أن يميزوا بين هذا وبين غيره مما يمكن أن يشابهه, القرآن, التوراةو الإنجيل, الحديث القدسي الذي نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- من الله, هم يريدون أن يميزوا القرآن الكريم عن هذه الأمور, فعرفوه بهذا التعريف, قالوا: كلام الله حقيقة منزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- أو محمد -صلى الله عليه وسلم- المتعبد بتلاوته.
وأنا ألاحظ أن معظم كتب علوم القرآن تعرف القرآن فتقول: كلام الله المنزل.. إلى آخره, لا تذكر كلمة (حقيقة), وحقيقة أنا أضفتها لأنها هي التي تميز التعريف الصحيح لأهل السنة للقرآن الكريم عن غيرهم من المذاهب.
فنحن نقول في تعريف كتاب الله: هو كلام الله حقيقة, يمعنى أنه كلام الله الذي نتكلم به على وجه احقيقة, كما يليق به سبحانه وتعالى, ونثبت أن الله سبحانه وتعالى متكلم, تكلم بهذا القرآن ولا يزال متكلمًا سبحانه وتعالى كيف شاء ومتى شاء, وهذه صفة الكلام, نثتبها لله سبحانه وتعالى كما أثبتها لنفسه,  {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164], إلى آخره من الأدلة المعروفة في إثبات صفة الكلام لله -سبحانه وتعالى-
نأتي إلى محترزات التعرفي, (كلام الله) إذا قلنا: كلام الله, فقد أخرجنا كلام غيره, فلا يسمى قرآنًا, فلا يسمى الحديث النبوي قرآنًا, ولا تسمى الخطب قرآنًا, ولا يسمى غير كلام الله -سبحانه وتعالى- قرآنًا, واضح يا شباب؟
إلا بعضهم يعني كما يتجوزون, فيطلقون على بعض الكتب المهمة في العلوم, كما بعضهم يسمي كتاب سيبويه (قرآن النحو), هذا نوع من التجوز يعني, وإلا ليس لائق أن يسمى بهذا الاسم, فهذا كلام الله, فإذا قلنا كلام الله حقيقة, نحن هنا نريد أن نثبت صفة الكلام لله -سبحانه وتعالى- وأن القرآن الكريم هو كلام الله حقيقة, وليس مجازًا يعني كما يذهب بعض الطوائف وبعض المذاهب.
ثم إذا قلنا (المنزل) أخرج ذلك غير المنزل, لأن الله -سبحانه وتعالى- كلامه أكثر من القرآن الكريم, الله -سبحانه وتعالى- تكلم بالتوراة وتكلم بالإنجيل وتكلم بالزابور, وتكلم بغير ذلك, ولا يزال -سبحانه وتعالى- يتكلم بما شاء كيف شاء, فالقرآن الكريم هو جزء من كلام الله, وهو الذي نزل به جبريل على محمد -صلى الله عليه وسلم-, فهو جزء من كلام الله, فلما نقول: المنزل, أخرج غير المنزل.
فإذا قلنا: (على محمد -صلى الله عليه وسلم- ) أخرج كل ما نزل على غيره, فلا يسمى قرآنًا, ما نزل على موسى, ما نزل على عيسى, ما نزل على داوود, كل هذا لا يسمى قرآنًا بالمعنى الاصطلاحي الذي ندرسه في هذا المقرر, لأننا نحن سندرس علوم القرآن, علوم القرآن, ما هو القرآن الذي سوف ندرس علوم؟ هذا الكتاب المصحف الذي نزل كلام الله حقيقة ونزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-
المتعبد بتلاوته: هذا قيد أيضًا يذكره بعض العلماء, وإلا يكفي أن نقول.., أن نتوقف عند -صلى الله عليه وسلم-, يعني لو توقفنا يا شباب الآن عند قوله (صلى الله عليه وسلم) هنا لكان كافيًا, لماذا؟ لأنه يؤدي الغرض, كلام الله حقيقة المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-, لكنه يضيفون (المتعبد بتلاوته) لماذا؟ لكي يخرج ما ليس متعبدًا بتلاوته, مثل ماذا؟ قالوا: مثل الحديث القدسي, فحتى نُخرج الحيث القدسي لا بد نذكر قيد (المتعبد بتلاوته), لأن الحديث القدسي لا يُتعبد بتلاوته في الصلاة ولا في غير الصلاة, وغنما هو حديث نبوي ألفاظه -على الصحيح طبعًا- ولعلها تأتي معنا الفرق بين الحديث النبوي القدسي, الحديث القدسي والقرآن الكريم.
فيقال: الحديث القدسي لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعناه من الله -سبحانه وتعالى- علمًا أن حتى كل بقية أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها هذا القيد, لأن الله يقول {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم 3-4], فقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) نقول: معناه صحيح وهو وحي من الله, ولكن الألفظ لفظًا من النبي -صلى الله عليه وسلم-
لكن الحديث القدسي فيه خاصية: وهي أن الني -صلى الله عليه وسلم- يصدره بقوله (يقول الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا) فهذا حديث قدسي, حديث قدسي ينسبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله تعالى مباشرة بألفاظ من عند النبي -صلى الله عليه وسلم-, هذا يختلف به الحديث القدسي عن القرآن الكريم.
القرآن الكريم: ألفاظه كما هي من الله, والنبي -صلى الله عليه وسلم- ليس له دور إلى البلاغ فقط, فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجتهد في القرآن الكريم بأي وجه من أوجه الاجتهاد في نقل حروفه, إنما ينقله ما هو, والقراءات كذلك, لأنكم قد تسمعون مَن يقول: طيب هذه القراءات السبع التي تقرءون بها اليوم هل هي من عند الله؟ أم هي اجتهاد من النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟
الجواب: أنها من عند الله, ما هو الدليل؟
الدليل: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه هشام بن حكيم و عمر بن الخطابي -رضي الله عنه- وهم قد اختلفوا في قراءة سورة الفرقان, عنددما دخل هشام بن حكيم في المسجد وصلى بمفرده, فسمع عمر بن الخطاب تلاوته لسورة الفرقان, وإذا به يتلوها بتلاوة غير التي يعرفها عمر بن الخطاب, فانتظره حتى انتهى من صلاته ثم قال له: يا هشام, ما هذه التلاوة التي أراك تقرأ بها؟ قال: هكذا أقرأني النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كذبت, أنا أقرأني بغير هذه القراءة, وذهب به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-, أليس كذلك؟ فلما ذهب به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يا عمر: أرسله, يعني اتركه, لأنه كان ماسكه بعنف, كما يقولون: لببه بردائه, يعني غاضب عمر, ما هذا العبث في القرآن؟!!
فلما اركه, قال: اقرأ يا هشام. فلما قرأ قال: صدقت, هكذا ماذا؟ أنزلت, ما قال -عليه الصلاة والسلام- هكذا قرأتها, أو هكذا اجتهدت في قراءتها, لا.. صدقت؛ هكذا أنزلت. عمر سمع الكلام استغرب, فقال: اقرأ يا عمر, فقرأ عمر بقراءته التي تعلمها, فلما قرأها, قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : صدقت, هكذا أنزلت, أليس كذلك؟ جميل جدًا.
الشاهد: أن هذه الأوجه المختلفة في القراءة أيضًا هي نزلت من الله على محمد -صلى الله عليه وسلم- ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجتهد في قراءة القرآن الكريم إلا كما عُلِّم -عليه الصلاة والسلام- وكما أخذ من جبريل, وهذه مسألة مهمة جدًا ينبغي أن ترسخ في أذهانكم من الآن, وترسخ في أذهان كل المشاهدين والمشاهدات من الآن, القرآن {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193], الذي هو جبريل -عليه الصلاة والسلام- {عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء 194-195], جبريل رسول ومحمد -عليه الصلاة والسلام- رسول, نقل لنا القرآن كما أنزل بأحرفه وبروايته.
طيب, إذن هذا ما يتعلق بتعريف القرآن الكريم اصطلاحًا, نقول: أنه كلام الله حقيقة -وأن نصر على كلمة حقيقة كما قلنا لكي يختلف تعريف القرآن الكريم عند أهل السنة عن غيرهم من المذاهب الذين يقولون أن كلام الله هنا ليس كلامً حقيقيًا, وإنما هو الكلام النفسي وليس متكلمصا بحروف, نقول: لا؛ هو متكلم -سبحانه وتعالى- ولكن بما يليق به وبالصفة التي تليق به -سبحانه وتعالى- نثبت له حقيقة الكلام, أنه تكلم, وكلَّم الملائكة, وكلَّم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-  {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] كما في سورة الشورى.
طيب, وقلت لكم: المتعبد بتلاونه, هذه أيضًا تخرج الحديث القدسي كما تحدثنا, وهنا مَن يضيف قيدًا آخرًا ويقول: المعجز بأقصر سورة منه, فيضيف قيدًا للتعريف, تعريف القرآن الكريم, وهو أنه معجز بأقصر سورة منه, لماذا؟ لأن الله تحدى العرب أن يأتوا بمثل القرآن الكريم, وتحداهم أن يأتوا بعشر سور, وتحداهم أن يأتوا بسورة, فأقل كمية وأقل مقدار تحدى به هو: السورة, وأقصر سورة في القرآن الكريم كم عدد آياتها؟ ثلاث آيات, ما هي؟ الكوثر صحيح.
طالب: والعصر.
الشيخ: والعصر صحيح.
طالب: والنصر.
الشيخ: والنصر صحيح, ثلاث سور, فهذه أقل سورة من القرآن الكريم بحيث المقدار ثلاث آيات, منها النصر, منها الكوثرو منها العصر, فقال العلماء: المعجز بأقصر سورة منه, والإعجاز سوف يأتي إن شاء الله في أثناء المحاضرات, المقصود بإعجاز القرآن الكريم, وما هو وجه الإعجاز, إلى آخره.
فهذا هو تعريف القرآن الكريم الذي يعني يدل على حقيقة القرآن ماهيته ويميزه عن غيره من الكتب السماوية التي نزت على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-
هل هناك أي سؤال حول هذه المسألة يا مشايخ؟
تفضل المايك, أي واحد يريد أن يسأل...
طالب: شيخ أحسن الله إليك وما شأن القراءات العشر والأربعة عشر, بعضهم يقول خمسة عشر, ما شأن هذه؟
الشيخ: شأنها يا أخي الحبيب أنها كلها ينطبق عليها ما قلناه, أنها كلها من النبي -صلى الله عليه وسلم-, نعم القراءات العشرة المتواترة, لأن القراءات أوسع من العشرة, والعلماء -رحمهم الله- من التابعين ومن اتباع التابعين ومَن بعدهم كانت أوجه القراءات عندهم أكثر من خمسين وجهًا, ولذلك هناك للهُذَلي كتاب لعله يُطبع "الكامل في القراءات الخمسين" الكامل في القراءات الخمسين, فالنبي -صلى الله عليه وسلم- علم الصحابة -رضي الله عنهم- فانتشر الصحابة في الأمصار, فأخذ كل مصر بقراءة الصحابي الذي ذهب إليهم, والصحابي أخذها من النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما.., مثلاً عبد الله بن مسعود استقر في الكوفة, فانتشرت قراءة عبد الله في الكوفة, وأبو عبد الرحمن.., ابو الدرداء استقر في دمشق, في الشام, فسارت قراءة أبي الدرداء التي أخذها, وفي البصرة استقر أبو موسى الأشعري وأيضًا انتشرت قراءته, وفي المدينة قراءة الصحابة, فلما أخذ كل أهل مصر يقرءون بالقراءة التي تعلموها كثُر الاختلاف كما هو اليوم تمامًا, يعني اليوم على سبيل المثال يا شباب, لو سمعتم قارئًا يقرأ بقراءة رويس عن يعقوب الحضرمي مثلاً فيقول {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَه * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة 1-2], ويقول {وَلَا الضَّالِّينَه}, ستستنكرها هذه القراءة صح؟ في الصلاة, وربما عامة الناس يقولون: هذا يعبث في القرآن, وربما يرد عليك وأنت في الصلاة, طيب لو قرأ واحد منكم مثلاً في الصلاة وهو مقرئ, وقال {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِامُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة:  يأتي واحد من ورائك ويقول {إيراهيمُ}, ويظنك اخطأت عندما قلت {إيراهام}, وهذه قراءة هشام بن عمار عن ابن عامر الدمشقي, فحتى اليوم سيقع بيننا كما وقع بين عمر وهشام بن حكيم, لماذا؟ أننا نجهل, ما عندنا خلفية عن هذه القراءة أو عن هذا الوجه, أو هذا.., فنرد عليه, يأتي واحد يقرأ {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} في بيئة هم لا يعرفون إلا قراءة حفص, {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4], سيردون عليك, صح؟ هل قراءتك خطأ؟ القراءة السبعية الصحيحة, لكنها غير مشهورة في هذا الوسط فينكرها الناس عليك.
ولذلك في عهد عثمان -رضي الله عنه- لما تجمع الصحابة في الفتح على الرجال, أبناء الصحابة وأبناء أبنائهم نشؤوا على قراءة واحدة يعرفونها في الكوفة, في البصرة, في.., فلما سمعوا.., لما جاء الناس واجتمعوا في مكان واحد, جاءوا من مكة, من المدينة, من اليمن, شعروا باختلاف في قراءتهم, مع أنها صحيحة كلها, لكن وقع الاختلاف, فعثمان -رضي الله عنه- جمع المصحف, وكان من آداب جمع المصحف ذلك الوقت إقناع الناس وإثبات للناس أن هذه القراءات التي يقرأ بها الناس قراءات صحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأرسل مع كل مصحف إلى الأمصار مقرئًا يُقرئ الناس, جميل؟ واستمرت القراءات, ولذلك يقول نافع: "أني قرأتُ على سبعين من التابعين", ثم اختار قراءته التي قرأ بها من قراءات هؤلاء جميعًا, قال: "فما أجمع عليه القرَّاء أختاره", فهو اختار قراءة تختلف عن مجموع قراءات الجميع, لكنها صحيحة, ومثله عاصم, ومثله حمزة, الآن لما جاء ابن مجاهد -رحمه الله- سنة ثلاثمئة وربما وعشرة, ثلاثمئة وخمسة عشر, توفي 324, وصنف كتابًا سماه السبعة في القراءات, اختار فقط من القرَّا الكثير جدًا, ستين سبعين قارئ, فاختار هؤلاء السبعة فقط, واختار أشهرهم وأجودهم وأكثرهم يعني شهرة وعلمًا وإتقانًا, فلما اختار السبعة؛ اشتهرت عند الناس, وانضبطت هذه السبعة واقتصروا عليها, تمتمًا مثلما يحصل مع المعلقات السبع, هل لم يعني يُنقل عن العرب من الشعر إلا هذه المعلقات السبع؟ لا.. نُقل عنهم, لكن هذه المعلقات السبع اختارها اختيارًا لأبرز الشعراء, ويعين القرآن أعلى وأجلّ من ذلك, لكن الفكرة أنها تقريبة.
فلما أصبحت هذه السبع هي المشهورة, جاء بعد ابن مجاهد مَن قال: لا.. هناك أيضًا قراء لا يقلون عن هؤلاء السبعة شهرة وإتقانًا مثل يعقوب الحضرمي وخلف وبقية القراء, يعين فأكمل العشرة, مَن جاء بعد ابن مجاهد, أصبحت القرءات العشر, وهناك مَن أوصلها إلى أربعة عشر, واختار لكل واحد قارئين, فهذه هي حقيقة القراءات, فالموجود عندنا اليوم العشر.., القراءات العشر, والقراءات الأربعة عشر ليست هي القراءات فقط التي يعني كانت مروية معروفة مشهورة, وإنما لأن العلماء اختاروها وانتشرت وذهب ما عداها, لم يُنقل ولم يتناقل, فنحن لا نعرف إلا هذه القرءات العشر المتواترة.
كلنا نقول فيها هذا القول الذي قلته لكم, أنها كلها من عند الله, لا يمكن ولا يصح لنا وليس بصحيح أن نقول: أن أحدًا من القرَّاء اجتهد فقرأ بوجه لم يسمعه. هذه نقطة مهمة جدًا, لو لم نخرج من درسنا في هذه المحاضرة إلا بهذه المعلومة لكانت كافية, ليس أحد من القراء اجتهد في قراءته بشكل لم يسمع من القراء الذي أخذ عنهم من شيوخه, وليس أحد من الصحابة اجتهد في قراءة القرآن بغير الوجه الذي أقرأه به النبي -صلى الله عليه وسلم-
ولذلك في بعض الروايت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبعض مَن اختلف في القراءة, قال: (اقرءوا كما عُلمتم), تمامًا, لا تجتهد فلا تزيد ولا تنقص.
والأدلة كلها تثبت فعلاً أن الصحابة -رضي الله عنهم- قد يعني التزموا بهذا, بهذا التوجيه.
طيب, نأتي الآن إلى تعريف علوم القرآن, كلامنا كله تكلمنا عن القرآن ونريد أن نتكلم الآن عن المقصود بعلوم القرآن وهو هذا المقرر الذي ندرسه في هذا الفصل إن شاء الله.
مقرر علوم القرآن, هذه مادة موجودة في الجامعات الآن, موجودة عندكم الآن, مادة علوم القرآن.
كلمة (علوم) جمع علم, معناها: العلم كما يعرفه العلماء يقولون: العلم هو نقيض الجهل, طيب والجهل؟ قالوا: نقيض العلم. وهذا من أوجه التعريف, مقبولة أحيانًا, وأحيانًا غير مقبولة أنك تعرف الشيء بضده, تقول ما هو اللون الأسود؟ قالوا: خلاف الأبيض, والأبيض؟ قالوا: خلاف الأسود, ما هو البصر؟ قالوا: خلاف العمى. طيب والعمى؟ قالوا: خلاف البصر, وهكذا..
فهناك مَن يفعل ذلك ويعرف بالنقيض, لكن نحن نقول: أن العلم هو: إدراك الشيء على ما هو عليه, العلم هو: إدراك الشيء على ما هو عليه, أن تتعلم, يعني مثلاً الآن: علم الفقه, علم الفقه هو مجموعة من المسائل المتعلقة بالمسائل التفصيلية, الأحكام التفصيلة, صح؟ حكم الصلاة, حكم المسح على الخفين, قصر الصلاة, جمع الصلاة, أحاكم فقهية, صح؟ تتعلق بدين المسلم, مجموع هذه الأحكام المرتبة يسمى علم الفقه, إدراك هذه المسائل بأدلتها؛ هذا هو العلم, وبه يتميز, فيقال: والله فلان عالم وفلان غير عالم, لأنك أنت أدركت هذه المسائل فسميناك عالمًا بها, وأنت لم تدركها, فلم نطلق عليك هذا الوصف, فإذن نقول: العلم, صحيح أنه نقيض الجهل, لكن التعريف الأفضل والأدق له هو أن نقول: إدراك الشيء على ما هو عليه, هذا هو العلم.
أما اصطلاحًا هنا في علوم القرآن فنقول: العلم بالاصطلاح هو: مجموعة مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة, علوم القرآن, هذه المسائل المتعلقة بالمحاور التي ذكرتها لكم في بداية الدرس, العلوم: المسائل المتعلقة بنزول القرآن زائد المسائل المتعلقة بكتابته زائد المسائل المتعلقة بقراءته زائد المسائل المتعلقة بفهمه, مجموع هذه المسائل يسمى علوم القرآن.
فإذن نقول: العلوم اصطلاحًا هنا هي: مجموعة من المسائل العلمية التي تكون أصول, تجمعها جهة واحدة
مثل علم النحو: مجموعة المسائل المتعلقة بلإصلاح اللسان والإعراب وإلى آخره, نسميه علم النحو.
علم أصول الفقه مثلاً هو: مع دلائل الفقه إجمالاً وكيفية الاستفادة منه وحال المستفيد, هذه المسائل التي تدخل تحت هذه المحاور نسميها علم أصول الفقه.
علم الفقه: معرفة الأدلة التفصيلية لأحكام المكلف, وهكذا..
هنا علوم القرآن الكريم, طبعًا تكلمنا عن معنى القرآن, معنا علوم القرآن, يمكن أننا نقول في مسائل علوم القرآن هي: المسائل المتعلقة..., ثم نعدد المحاور التي عندنا, فنقول: المسائل المتعلقة بنزول القرآن وتدوينه وقراءته وفهمه, وإن شئتم أن نحطاط لأنفسنا ونقول وتتمات لذلك, حتى ندخل تحت (تتمات لذلك) هذه المسائل التي قلت لكم أنها قد تخرج أو لا يمكن أن ندرجها تحت محور من هذه المحاور, مثل إعجاز القرآن مثلاً, مثل الانتصار للقرآن, إلى آخره.
إذن هذا هو تعريف علوم القرآن, ودعونا نكتبه لو شئتم, إن لم يكن مكتوبًا, دعنا نكتبه على اللوح, لأنه ما هو مكتوب, وهذا التعريف قد لا تجدونه في كتب علوم القرآن.
تعريف علوم القرآن اصطلاحًا طبعًا, فنقول: دعونا نعبر المسائل المتعلقة ثم نكمل على نفس الفكرة, المسائل المتعلقة بنزول القرآن وقراءته وتدوينه وفهمه.., أو وتفسيره, ما رأيكم؟ وتفسيره باعتبار أن كلمة تفسير كلمة مشهورة, وتفسيره, وتتمات لذلك.
طبعًا كلمة (تتمات لذلك) كلمة مشهورة في التعريف عند العلماء لعلم التفسير, وتتمات لذلك.
لاحظوا المسائل المتعلقة بنزول القرآن وقراءته وتدوينه وتفسيره, هذه أربعة محاور مهمة جدًا في علوم القرآن, لا يستغنى عنها في تدريس هذا العلم, وتتمات لذلك تتدخل تحتها إعجاز القرآن, بلاغته, يعني من هذا القبيل, وهذه مسائل يعني ستمرّ معنا كثيرًا

نأتي على حكم تعلم علوم القرآن الكريم, كما قلنا في البداية: علوم القرآن مهمة لكل مسلم, حتى يعرف.., لأنه ممكن أن يأتيك واحد ويقولك يا محمد القرآن الكريم هذا كلام محمد, فأنت إذا كنت لا تعلم أن القرآن الكريم كلام الله وعندك معرفة وعندك خلفية وعندك أدلة ستتورط ولن تستطيع أن تجيب على سؤال هذا الرجل, أو على شبهته التي ألقاها عليك.
فنحن نقول: أن حكم تعلم القرآن الكريم إذا كنا نتحدث عن حكم تكليفي, فنحن لا نستطيع أن نقول: واجب على كل مكلف, لأن معنى كلامنا إذا لم يتعلمه فإنه آثم, وهذا لا بد أنك لا تقولها إلا بدليل, لكننا نقول: حكم تعلم علوم القرآن الكريم كمقرر: هو فرض كفاية, إذا قام به مَن يكفي سقط الإثم عن الباقين, ولا نقول: إذا قام به البعض سقط عن الباقين, لأن هذه خطأ في تعريف فروض الكفاية, وأن الصواب أن تقول: إذا قام به مَن يكفي, ولذلك سموه فرض كفاية, فإذا لم تتحق الكفاية بهذا الباب, يبقى الإثم حتى تتحقق الكفاية.
باختصار نحن تحدثنا عن نشأة علوم القرآن الكريم, يمكن أن نشير هنا إلى الأسباب, المنهج المتبع في تعلم القرآن, علوم المدارس العلمية في تدريس القرآن؟؟؟
علوم القرآن الكريم نشأت مع نزول القرآن الكريم, منذ أن نزل القرآن الكريم, النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ مباشرة يمارس علوم القرآن, كيف؟ كان جبريل -عليه الصلاة والسلام- يلقي القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فماذا يصنع الرسول؟ يحرك لسانه وراء جبريل؟ لماذا؟ يخاف أن ينسى ويفوت عليه هذا الوحي, فماذا قال الله تعالى؟ قال:  {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ..} أثناء سماعك له من جبريل؟  {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16], يعني خوفًا عليه من أن يذهب إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}[القيامة: 17], يعني جمعه في صدرك وأيضًا جمعه في الصحف بعد ذلك  {وَقُرْآنَهُ}, وإقدارك وتمكينك من قراءته وتلاوته بعد انتهاء جبريل.
وهذا الذي حدث, طبعًا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسكت وينصت حتى يفرغ جبريل ثم يعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة, هذا أول ما نشأ علوم القرآن, نشأ مبكرًا, النبي بدأ يهتم بكتابة الوحي, خصص أناس من الصحابة -رضي الله عنهم- يكتبون الوحي بين يديه, كان يدارس القرآن الكريم؛ هذا من علوم القرآن, كتابته هي من علوم القرآن الكريم, حفظه وتلاوته وتعليمه من علوم القرآن الكريم, أيضًا الناسخ والمنسوخ من علوم القرىن الكريم, موجودة في القرآن الكريم نفسه  {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106], فنشأته مع نزوله, نشأة علوم القرآن.
لكن اهتم به بعض الصحابة أكثر من بعض, هذا صحيح, عبد الله بن عباس ليس في التفسير وعلوم القرآن مثل مثلاً خالد بن الوليد,  خالد بن الويد -رضي الله عنه- لم يشتهر بالتفسير وعلوم القرآن والسؤال عنها والبحث فيها والتصدي لها, لكنه كان يعرف ما يحتاج إليه, لكن ابن عباس تفرغ له تقريبًا, فأصبح ترجمان القرآن ويعتني به ويسأل الصحابة فيه وعن أسباب النزول.
وعبد الله بن مسعود أيضًا -رضي الله عنه- كان من هذا النوع, ولذلك يقول عبد الله بن مسعود: يقول: "والله ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيمن نزلت ومتى نزلت" هذه أيضًا من علوم القرآن, مواضع النزول وأوقات النزول وأسباب النزول.
بعد عصر الصحابة -رضي الله عنهم- جاء التابعون فزاد الأمر اختصاصًا, وبعد العلماء يرى أن هناك من التابعين مَن ألَّف في علوم القرآن, ثم بعد ذلك أتباع التابعين, وبدأت تُكتب التفاسير, تفسير الطبري على سبيل المثال, توفي سنة 310, هو يعتبر من الكتب التي كتبت في علوم القرآن, لماذا؟ لأن تفسير القرآن هو جزء من علوم القرآن.
الآن علوم القرآن, عندما نقول علوم القرآن, هي علم واحد يجمع كل هذه العلوم المتعلقة بالقرآن, المتعلقة بالنزول والفهم والقراءة والتفسير والتدوين وتتمات لذلك, هذا علم واحد, ولذلك ممكن تذهب تشتري كتاب في علوم القرآن, مثل كتاب شيخنا مثلاً, "مباحث في علوم القرآن" للشيخ مناع القطان, مباحث في علوم القرآن, هذا كتاب في علم واحد, الذي يسمونه "علوم القرآن", لكننا نعنبر نحن بالجمع بالإشارة إلى العلوم التي داخله, التي تنضم تحته, ولو قلنا الآن: كتاب في علم الناسخ والمنسوخ, صح هذا علم, أسباب النزول هذا علم, علم التفسير هذا علم, علم لتحويد هذا علم, علم القراءات هذا علم, أجمعها كلها تحت مادة علوم القرآن, فنحن ندرس في علوم القرآن الآن يعني تأصيل هذه المسائل, الناسخ والمنسوخ تعريفه,  ضوابط النسخ في القرآن, أمثلة, لكن لو أردنا أن نأخذ الناسخ والمنسوخ في القرآن كله, فهذا علم مستقل تطبيق.
أسباب النزول: أعرف لك سبب النزول وأذكر لك أمثلة, لكن أستقصي لك كل أسباب النزول في القرآن؛ هذا محله كتب أسباب النزول, وقل مثل ذلك في المحكم والمتشابه, المطلق والمقيد, العام والخاص, المكي والمدني, وهكذا..
إذن هذه يا شباب كانت المحاضرة, كانت المقدمة للمقصود بعلوم القرآن, كيف بدأت باختصار, ولعلنا إن شاء الله نتدارس في محاضرات قادمة حول نشأت علوم القرآن, المؤلفات الأساسية التي ينبغي على طالب العلم أن يقرأ فيها في هذا الفن, الكتب الموثوقة, الكتب الجيدة التي ننصح بها, المناسبة لحسب السن, يعني في بداية الطلب, في وسط الطلب, في ىخره, سوف نتحدث عنها إن شاء الله في المحاضرات القادمة بإذن الله تعالى, أيضًا سوف نتوقف مع مسائل علوم القرآن القادمة, في المحاضرات القادمة, وإذا فيه أي سؤال عندكم قبل أن نتختم درس اليوم يا شباب؟ هل هناك أي سؤال أو شيء نختم به؟

طالب: شيخ. أحسن الله إليك, هل يصح القراءة بالقراءات الشاذة؟
الشيخ: القراءات الشاذة, المقصود بها القراءات التي خالفت أو التي تخالف ركن من أركان القراءة الصحيحة, ما هي أركان القراءة الصحيحة؟ قالوا: ثلاثة: أن تكون صحيحة في الإسناد, وأن تكون موافقة لرسم المصحف ولو احتملاً, وأن تكون موافقة لوجه من أوجه النحو ولو احتمالاً أيضًا.

فلو جاءتنا قراءة مخالفة للنحو, نقول: هذه قراءة شاذة, صحيحة الإسناد, لكن مخالفة لوجه من النحو, فنقول: هذه شاذة.
أو غير موافقة لرسم المصحف, نقول: هذه شاذة.
هل تجوز القراءة بها؟ لا يجوز القراءة بها في الصلاة, ولا يجوز القراءة بها على وجه التعبد في الصلاة, ولكن يجوز القراءة بها على سبيل التعلم والتعليم, بمعنى إذا جئت إلى شيخك لكي تتعلم القراءة الشاذة فتقرأ بها, فيقول: هذه قراءة شاذة, وتتعلم كيفية القراءة الشاذة وكيف تؤديها, وإلا لو لم نسمح بذلك لندثرت من الأمة, فهناك مَن يتعلمها وياخذا على سبيل التعلم والتعليم وإلا القراءات الشاذة عند القراء يُستفادوا منها في الفقه ويستفادوا منها في الأحكام ويستفادوا منها في النحو, وأنها وجه من أوجه اللغة, وهي أقوى من الاستدلال بشاهد الشعر وأولى من استشهاد من كلام الأعرابي الذي لا نعرف مَن هو, وإنما هي أقوى منهما, لأنها رُويت بإسناد صحيح وإنما خالفت وجهًا من أوجه الرسم أو وجهًا من أوجه النحو.

طالب: شيخ. وهل نزلت على الرسول هذه القراءات الشاذة؟
الشيخ: طبعًا إذا لم تصح سندًا, فنحن لا نستطيع أن نجزم بذلك, أو لم تصح إسنادًا فلا نجزم بذلك, لكننا نستفيد منها من فوائد في النحو وفي الفقه.
ونختم بهذا فقد انتهى وقت هذه الحلقة, أشكركم أيها الإخوة في الاستوديو هنا, وأشكركم أيها الإخوة المشاهدون على متابعتكم وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بهذه المحاضرات, وأرجو أن يكون أثناء المحاضرات أن تدونوا هذه الفوائد وهذه المسائل حتى ننتفع بها إن شاء الله في المستقبل وفي الاختبارات, وأن تبقى معنا هذه المعلومات, فهي مهمة جدًا لكل من يتعمل مع كتاب الله -سبحانه وتعالى- وكلنا نتعامل مع كتاب الله تعالى, نسأل الله أن يزقنا وإياكم فهم كتابه, وإلى لقاءٍ قادم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


No comments:

Post a Comment