Tuesday, March 19, 2013

دروس في تجويد القرآن الكريم





دروس في تجويد القرآن الكريم
برواية الإمام حفص من الشاطبية



قدّم له
خادم القرآن الكريم
سعادة الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة
الوكيل المساعد للشؤون الإسلامية



تأليف
خويدم القرآن الكريم والعلم
محمد مأمون عبد الكريم كاتبي
1424 هـ - 2003 م

الجزء الأول


تقديم سعادة الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة

الوكيل المساعد للشؤون الإسلامية


الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وجعلنا من أمة القرآن، واشهد أن لا إله إلا الله أنزل التوراة والإنجيل من قبل هدىً للناس وأنزل الفرقان، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ أرسله الله تعالى مؤيدًا بالتبيان، وآتاه جوامع الكلم والبيان، وعلى آله وأصحابه ما بقي الثقلان.
وبعد، لازلت أحمد الله تعالى على أن اختارَني لخدمة كتابه والقيام على شؤون مركز تحفيظه وتدريس علومه، والاهتمام بأهله ومعلّميه، كما وأدعوه سبحانه وتعالى أن يُديم عليّ هذه النعمة حتى ألقاهُ مُخلِصًا في العمل بها لوجهه الكريم.
فإنَّ أجلَّ وأعظم ما في هذه الدنيا هو كتاب الله، والعبد يُشَرَّف بشرف الانتساب إلى هذا الكتاب العزيز إذْ هو أشرف ما في الوجود، وأعلى ما في اللوح المحفوظ، وكفى بوصف الله تعالى له بقوله ﴿وإنه في أم الكتاب لدينا لعليّ حكيم [الزخرف: 4]. تكفّل الله تعالى بحفظه من فوق سبع سموات فقال ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر: 9]، فكانت وسائل حفظه هي أشرف ما في الوجود، وهو كلامه سبحانه وتعالى، فخدمة القرآن الكريم شرفٌ لا يُدانيه شرف، وإني لأرجو الله أن أكون واحدًا ممن كتب الله لهم أن يكونوا سببًا من أسباب حفظ كتابه وصيانته وقداسته.
لِذا فإني لا أتردَّد أبدًا في أي عمل أو قول من شأنه الإسهام في الموكب الشريف الذي اختاره الله واصطفاه لحمل كتابه عملاً وعلمًا وتعليمًا وحفظًا وتجويدًا، ولمّا جاءني فضيلة الدكتور محمد مأمون كاتبي بهذا الكتاب القيّم في علم التجويد، آثرتُ قراءته على كلّ شيء فوجدتُ فيه علمًا غزيرًا وَفّق الله فضيلته لتأليفه على نسَقٍ عصريّ وبأسلوبٍ سهلٍ وشيّق يتناسب مع كافة المستويات ويُراعي الفروق الفردية بين المتعلّمين في مجال تلاوة القرآن الكريم فضلاً عن اختصاره غير المخلّ وغزارة الأمثلة التي تُعين على فهم القواعد.
ومن خلال قراءتي للكتاب رأيتُ أن الشيخ حفظه الله قد اعتصر فيه عقله الواعي لهذا العلم الشريف وضمّنه خبرته الطويلة في خدمة القرآن الكريم وخاصةً في مجال تلاوته وتجويده.
لِذا فإني أُثمّن غاليًا هذا الجهد الكبير الذي بذله شيخنا الفاضل في هذا الكتاب والذي أسأل الله أن ينفع به طلاّب علم التجويد في هذا البلد وسائر بلاد المسلمين وأن يجزي الله تعالى شيخَنا الكريم خير الجزاء.


خادم القرآن الكريم

خليفة بن حمد آل خليفة
وكيل الوزارة المساعد للشؤون الإسلامية

مملكة البحرين

في السادس من محرم لعام 1424 هـ
يوافقه 9 مارس 2003 م


مقدمة الكتاب


الحمد لله منزل الكتاب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل مَن نطقَ بالضاد، وجَوّد الخطاب، وعلى آله وصحبه وأتباعه أئمة الهدى، وهُداة الأمة، الذين أحسنوا التلقّي فبلغوا بفنّ الأداء أئمة، فرضي الله عنهم، وحقّقنا باتّباعهم، آمين.
فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى محمد مأمون بن عبد الكريم كاتبي.
إن أفضل ما يشغل الإنسان جوارحه ليتقرّب إلى ربه، ويصل إلى درجات المتقين، كتاب الله تعالى، تلاوةً وحفظًا وتجويدًا، فيقرأه مرتّلاً كما أنزله رب العالمين، على خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن يتدبّر معانيه، ويعمل بما فيه، ليكون بذلك من أهل السعادة في الدارين.
قال عليه الصلاة والسلام: pمَن قرأ القرآن واستظهره، فأحلَّ حلاله، وحرّم حرامه، أدخل الله الجنة، وشَفّعه في عشرة من أهل بيته، كلّهم وجبت له النارi[1].
وقال صلى الله عليه وسلّم: pخيركم من تعلّم القرآن وعلّمهi[2].
وأهم ما يجب تحصيله قبل تلاوة القرآن الكريم، معرفة أحكامه التي تكفّل ببيانها علم التجويد، ومن ذلك إتقان هذه الدروس التي سأبيّنها في هذا الكتاب وما ماثلها، ولا يتم النفع بها إلاّ بعد الرياضة وتكرار اللفظ بعد التلقّي من أفواه المتقنين المتلقّين من مشايخهم الضابطين والمحققين لها، إلى الحضرة النبوية الشريفة، لأن الاعتماد في أخذ القرآن الكريم على حفظ القلوب والصدور، لا على المصاحف والكتُب.
ومَن تأمّل ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلّم، كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام كل عام مرة، وفي عام نقله عرضه مرتين[3].
وقراءته صلى الله عليه وسلّم على أبيّ بن كعب سورة ﴿لم يكن الذين كفروا[4]، ليعلّمه صلى الله عليه وسلّم طريق التلاوة، وكيفية القراءة، ليكون ذلك سُنَّةً للمقرئين والمتعلّمين.
وما كان الصحابة يفعلونه من قراءتهم عليه صلى الله عليه وسلّم وسماعهم منه وقراءة بعضهم على بعض.
وقد كان مبعوثو النبي صلى الله عليه وسلّم إلى مختلف الجهات يقومون -أول ما يقومون- بإقراء الناس القرآن الكريم.
كتب النبي صلى الله عليه وسلّم لعمرو بن حزم، حين وجّهه إلى اليمن كتابًا أمره فيه بأشياء منها، أن يعلّم الناس القرآن ويفقّههم فيه[5].
وروى البخاري عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: فأول من قدم عليه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يُقرِئاننا القرآن[6] .
وقد قرأ التابعون على الصحابة رضوان الله عليهم وتابعوهم قرأوا على التابعين حتى وصل الأمر إلينا مسلسلاً متواترًا، فأخذ القرآن الكريم لا يكون إلاّ بالتلقّي والمشافهة.
وليعلم المسلم علم يقين أن مَن أخذ القرآن من المصحف من غير موقف، فقد أخطأ، وربما وقع في أمرٍ جسيم.
هذا، ولمّا تفضّل الله سبحانه وتعالى عليّ بشرف تدريس القرآن الكريم وتجويده فترة طويلة، وكنت شغوفًا به منذ نعومة أظفاري، وأسأله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه وإحسانه، أن يديم عليّ وعلى سائر أحبابي، وسائر المسلمين نعمه التي لا تُعَدّ ولا تُحصى، وخصوصًا نعمة القرآن والإيمان، إلى أن نلقاه ونحن في أمن وأمان، متشفعين بسيد ولد عدنان، صلى الله عليه وسلم، لاحقين به وبإخوانه إلى سكنى الجنان، فننعم بالنظر إلى وجه خالقنا الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان.
وقد أسند إلي تدريس تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتجويده وعلومه بعد تخرجي من المرحلة الجامعية[7] إلى الآن، لأظل دائمًا بإذن الله تعالى في خدمة القرآن الكريم وأهله المخلصين الصادقين.
وكنت قمت بتدريس فئات مختلفة، ومنها فئة من المتعلمين الجامعيين، ذوي الاختصاصات المتعددة، وقد فاتهم تعلم القرآن الكريم، وكنت ألقنهم القرآن مشافهة، كما هو الأصل في أخذ القرآن الكريم كما ذكرت قبل قليل، وأشرح لهم مباحث علم التجويد التي تتناسب مع مستوياتهم، ثم أقوم بمناقشتها لهم أثناء القراءة، تطبيقًا للعلم على العمل.
فطلبوا مني غير مرة أن أُملي عليهم كل درس تمّ شرحه من قبلي في التجويد العملي، فنزولاً على رغبتهم، وفقهم الله إلى كل خير، وسدد خطاهم، أجبت طلبهم، فقمت بإملائهم هذه الدروس التجويدية، دون تطويلٍ ممل، ولا تقصيرٍ مخلّ، وأخّرت بعض الدروس كمراتب القراءة وغيرها، وتركت العلل وما تبعها، لما رأيت فائدة في تأخيرها، ترجع على الدارس من تقديمها، ولأنه بعد إتقانه للحروف، ومعرفة الوقوف، يتلو القرآن الكريم، كما أنزله المولى العظيم.
وكملت هذه الدروس النثرية، في ثلاثة أجزاء عملية، والغاية من إملاء هذه الدروس النثرية أخذ التجويد بقسميه العلمي والعملي.
وسمّيت الكتاب بأجزائه الثلاثة النثرية:
(دروس في تجويد القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم من الشاطبية)
هذا، وفي هذا العام تشرَّفْتُ بالإعارة من دولة الكويت العطية، حماها الله وبلاد المسلمين من كلّ بليّة، إلى مملكة البحرين الزُّهْرَة[8] الفتيّة، للعمل بوزارة الشؤون الإسلامية، ممثلة بوزيرها صاحب الأخلاق العلية، سعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة الوفية، وبسعادة وكيلها الفائل، خادم القرآن الكريم الهائل، الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة البواسل، حفظه الله تعالى من شرّ كل خاتل، لأن لسانه لم يفتأ بذكر القرآن الكريم النازل، على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلّم الكامل، وبذكر تعلمه وتعليمه الفاضل، وذلك شغله الشاغل، وهدفه النابل، فجزاه الله أحسن ما قدمه وما يقدمه ليوم ذاهل.
وما إخراج هذا الكتاب بصورته الجديدة، وتقريره في دورة التجويد المفيدة، إلاّ بتوجيهاته الحكيمة الرشيدة، وإرشاداته السديدة، ومثابرته في خدمة القرآن الكريم ونشر علومه المجيدة.
وفي ختام كلامي في هذه المقدمة الزهيدة، أضرع إلى الله تعالى بالدعوات المفيدة، أن يتقبل منهي الأعمال العديدة، ويجعلها خالصةً لوجهه الكريم وفريدة، ويتجاوز عن سيئاتي وفرطاتي الرقيدة، وهو حسبي وعليه توكُّلي ومزيده، وصلى الله وسلّم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه صلاةً مديدة.

وكتبه
خويدم القرآن الكريم والعلم
محمد مأمون بن عبد الكريم كاتبي
مستشار القرآن الكريم
غرة محرم الحرام 1424 هـ
الموافق 4 مارس 2003 م


الدرس الأول

في مبادئ علم التجويد

اعلم أن:
التجويد لغةً: التحسين.
واصطلاحًا: هو تلاوة القرآن الكريم على حسب ما أنزله الله على نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، بإعطاء كل حرف حقه ومستحقه.
فحقّ الحرف: الصفات اللازمة له من الهمس والجهر والشدة.. إلخ.
ومستحقه: الصفات العارضة له كالترقيق والتفخيم إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه في دروس صفات الحروف إن شاء الله تعالى.
وموضوعه:
الحروف القرآنية، وزاد بعضهم الحديث الشريف، وتوسع بعضهم فقال: موضوعه الحروف العربية من حيث هي.
وثمرته:
صون اللسان عن الخطأ في كتاب الله تعالى، فمن صان لسانه من الخطأ في القرآن وعمل بما فيه نال سعادة الدارين.
وفضله:
أنه أشرف العلوم الشرعية، لتعلقه بكلام رب العالمين.
وواضعه:
من الناحية العملية، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الناحية العلمية، الأئمة من القرّاء في ابتداء عصر التأليف.
وحكمه:
العلم به فرض كفاية، والعمل به فرض عين، وعلى هذا فالتجويد ينقسم إلى قسمين: علمي وعملي.
فالعلمي: هو الأحكام والقواعد والضوابط التي دوّنها علماء التجويد في كتبهم.
والعملي: هو تطبيق تلك الأحكام والقواعد والضوابط في قراءة القرآن الكريم.
أما حكم التجويد العلمي: فهو فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الآخرين.
وأما حكم التجويد العملي: فهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة بلغ حد التكليف الشرعي.
وقد ثبتت فريضته بالكتاب والسنة والإجماع.
  - أما الكتاب : فقوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ [المزمل:4].
وجه الدلالة من هذه الآية، هو أن الفعل (رتّل) فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب، إلاّ إذا وجدت قرينة تصرفه عن الوجوب إلى غير ذلك من ندب وإباحه وغيرهما، فيصرف إلى ما تقتضيه القرينة، وهنا لم توجد قرينة، فيبقى على الأصل، وهو الوجوب.
وقد أكد الفعل بالمصدر، وهو (ترتيلاً) لأهميته.
- وأما السُنّة: فكثيرة، منها ما خرّجه الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه للطبراني في الأوسط وابن مردويه وسعيد بن منصور من حديث موسى بن يزيد الكندي t قال: "كان ابن مسعود يقرئ رجلاً، فقرأ الرجل: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾ مرسلة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها النبي e فقال: وكيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن، قال أقرأنيها: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾ فمدّها".
- وأما الإجماع: فقد قال العلامة محمد مكي نصر في نهاية القول المفيد: أجمعت الأمة المعصومة من الخطأ على وجوب التجويد من زمن النبي e إلى زماننا، ولم يختلف فيه أحد منهم، وهذا من أقوى الحجج. ا.هـ بلفظه.
وهناك أدلة كثيرة على وجوب التجويد غير ما ذكرته، تركت ذكرها اختصارًا. والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الدرس الثاني

في الاسـتعاذة والبسـملة


1- حكم الاستعاذة وأفضل صيغها:
يسن للقارئ أن يتعوذ قبل قراءته، ولو من أثناء أي سورة، وأفضل صيغ التعوذ للقراءة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ويجوز غيرها من الصيغ الواردة.
2- أحوالها:
يسن الجهر بالتعوذ إن كان القارئ بحضرة مستمع سواءً أكان مقرئًا أم غيره، أو كان أول قارئ في قراءة الإدارة المعروفة الآن بالمدارسة.
ويسنّ الإسرار به إن قرأ سرًا أو قرأ بعد الأول في قراءة الإدارة، وأما مَن قرأ خاليًا فإخفاء التعوُّذ له أولى[9].
وإذا عرض للقارئ قاطع لقراءته، فإن كان ضروريًا كسعال وكلام متعلق بالقراءة وسكوت يسير فلا يعيد التعوذ، وإن كان غير ضروري كردّ سلام، وكلام غير متعلق بالقراءة، وسكوت طويل بأن كان قدر ركعة بأركانه وسننها، أعاده، ولو قطع قراءته ثم بدأ فعاد إليها سُنَّ له التعوُّذ.
3- حُكم البسملة:
يُسَنّ للقارئ أن يبسمل قبل قراءته ولو من أثناء السورة إلاّ أول سورة (براءة) فلا تُسَنّ البسملة في أولها بل تُكرَه وتجوز في أثنائها، وقيل تحرم في أولها وتكره في أثنائها، ويُسَنّ أن يجهر بها عند جهره بالقراءة، ويسرّ بها إن أسرّ بالقراءة.
وإنما لم يبسمل في أول سورة براءة لأن سورة براءة غضبٌ على المنافقين لبيان سوء أحوالهم، والبسملة آية رحمة فلا يناسب قرنها بها.
4- أوجه الاستعاذة مع البسملة:
يجوز في الاستعاذة مع البسملة أربعة أوجه:
1- قطع الجميع: أي الوقف على الاستعاذة، وعلى البسملة، والابتداء بما بعدها وهذا أحسنها.
2- وصل الجميع: أي الاستعاذة والبسملة ووصلها بما بعدها.
3- قطع الأول، ووصل الثاني بالثالث: أي الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بما بعدها.
4- وصل الأول بالثاني، وقطع الثالث: أي وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف على البسملة والابتداء بما بعدها.
5- أوجه البسملة بين كل سورتين:
يجوز في البسملة بين كل سورتين، ولو غير مرتبتين ثلاثة أوجه:
1- قطع الجميع: أي الوقف على آخر السورة، وعلى البسملة، والابتداء بأول السور التالية.
2- وصل الجميع: أي وصل آخر السورة بالبسملة ووصلها بأول السورة التالية.
3- قطع الأول، ووصل الثاني بالثالث: أي الوقف على آخر السورة، ووصل البسملة بأول السورة.
ويمتنع وجه رابع، وهو وصل الأول بالثاني، وقطع الثالث: أي وصل آخر السورة بالبسملة والوقف على البسملة والابتداء بأول السورة التالية لأن البسملة لأوائل السورة لا لأواخرها.
6- الأوجه الجائزة بين آخر الأنفال وأول براءة:
وأما الأوجه الجائزة بين آخر الأنفال أول براءة فثلاثة:
وهي الوقف، والوصل، والسكت على عليم.
قال العلامة المتولي رحمه الله:
وللكلِ قفْ صِلْ في عليمٌ براءةٌ

أوِ اسْكتْ وبينَ الناسِ والحمْدِ بَسْمِلا
تنبيه:
لو وصل القارئ آخر السورة بأولها، كأصحاب الأوراد في تكرير سورة الإخلاص أو غيرها، فحكم ذلك حكم السورتين، لأن السورة والحالة هذه مبتدأة.
قال العلامة المتولي:
ومهما تَصلْ يا صاحِ آخرُ سورةٍ

بأولها كنْ للجميعِ مُبَسْمِلا
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الدرس الثالث

في أحكام النون الساكنة والتنوين

قبل البدء بأحكام النون الساكنة والتنوين نعرف كلاً من النون الساكنة والتنوين فأقول:
النون الساكنة:
هي النون الخالية من الحركة كنون "من وعن" وهي ثابتة لفظًا وخطًا ووصلاً ووقفًا، وتكون في الاسم والفعل والحرف، وتكون متوسطة ومتطرفة في الاسم والفعل ومتطرفة في الحرف.
نحو ، منذر ، ينصركم ، لن ، من
والتنوين:
هو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم لفظًا لا خطًا ووصلاً لا وقفًا.
إذا عرفت هذا فاعلم أن للنون الساكنة والتنوين عند حروف الهجاء، أربعة أحكام، وهي الإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء.
الكلام على الحكم الأول من أحكام النون الساكنة والتنوين
الإظهار الحلقي:
وهو في اللغة: البيان والوضوح.
وفي الاصطلاح: إخراج الحرف المظهر من مخرجه بدون غنة ظاهرة معه.
وحروفه ستة وهي: "الهمزة - والهاء - والعين - والحاء - والغين - والخاء".
وجمعت هذه الحروف الستة في أوائل كلمات نصف البيت التالي:
أخي هاك علمًا حازه غير خاسر
فإذا وقع بعد النون الساكنة سواء كانت في وسط الكلمة أو في آخرها أو وقع بعدها التنوين ولا يكون إلاّ في آخر الكلمة أحد الأحرف الستة السابقة، وجب إظهار النون الساكنة والتنوين عندها، ويُسمى إظهارًا حلقيًا.
وسُمي إظهارًا، لظهور النون الساكنة والتنوين عند هذه الحروف الستة.
وسُمّي حلقيًا، لأن الحروف الستة تخرج من الحلق.
أمثلة للنون الساكنة (من كلمة ومن كلمتين)
وللتنوين (ولا يكون إلاّ من كلمتين) عند حروف الإظهار
الحرف
أمثلة النون الساكنة
أمثلة التنوين
ء
ينأون، من أمن
رسول أمين
هـ
منه، من هاد
جرف هار
ع
أنعم، من علم
سميع عليم
ح
وتنحتون، من حاد
عليم حكيم
غ
فسينغضون، من غير
قولاً غير
خ
المنخنقة، من خير
يومئذ خاشعة

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الدرس الرابع

فـي الإدغــام


وهو الحكم الثاني من أحكام "النون الساكنة" والتنوين.
الإدغام في اللغة: إدخال شيء في شيء.
وفي الاصطلاح: النطق بحرف ساكن فمتحرك بلا فصل من مخرج واحد، أي يرتفع اللسان ارتفاعة واحدة ويصير الحرفان كحرف واحد مشدد.
وإن شئت قلت في تعريف الإدغام: هو النطق بالحرفين حرفًا واحدًا مشددًا كالثاني.
حروفه: وحروف الإدغام ستة، وقد جُمِعَت في كلمة "يَرْمَلُون".
أقسامه: ينقسم الإدغام من حيث الغنة وعدمها إلى قسمين:
- إدغام بغنة، وله أربعة أحرف وهي "ينمو".
- وإدغام بغير غنة وله حرفان "ل، ر".
فإذا وقع بعد النون الساكنة ويشترط أن تكون في آخر الكلمة أو وقع بعد التنوين ولا يكون إلاّ في آخر الكلمة أحد حروف "يرملون" وجب إدغامهما فيه، ويُسمى إدغامًا بغنّة عند حروف "ينمو" وبغير غنة عند "ل، ر".
أمثلة للنون الساكنة وللتنوين للإدغام بغنّة في حروف "ينمو":
الحرف
أمثلة النون الساكنة
أمثلة التنوين
ي
من يشأ
خيرًا يره
ن
من نشأ
صالحًا نؤتها
م
من مال
صراطٍ مستقيم
و
من ولي
وليٍّ ولا نصير
أمثلة للنون الساكنة وللتنوين للإدغام بغير غنة في اللام والراء:
الحرف
أمثلة النون الساكنة
أمثلة التنوين
ل
من لدنه
يَومئذٍ لخبير
ر
عن ربهم
غفورٌ رحيم
هذا ويشترط في الإدغام هنا بالنسبة للنون الساكنة أن تكون النون في آخر الكلمة الأولى، وحرف الإدغام في أول الكلمة الثانية، فإذا وقع بعد النون الساكنة واو أو ياء في كلمة واحدة، وجب إظهار النون الساكنة عندها، ويُسمى إظهارًا مطلقًا، وذلك في الكلمات التالية:
بنيان، دنيا، قنوان، صنوان[10] .
وسمي إظهارًا، لظهور النون عندها، وسُمّي مطلقًا، لعدم تقيّده بحلق أو شفة.
تنبيهان: ﴿أم كنتم شهداء﴾
- الأول: تظهر النون من هجاء ﴿يس والقرآن و ﴿ن والقلم فلا إدغام فيها لحفص من الشاطبية.
الثاني: يجب السكت في أربعة مواضع في القرآن الكريم:
أ- ﴿عوجًا قيّما في الكهف.
ب- ﴿مرقدنا هذا في يس.
ج- ﴿من راق في القيامة.
د- ﴿بل ران في المطففين.
فلا إدغام في ﴿من راق لوجود السكت، والسكت يمنع الإدغام.
والسكت: قطع الصوت زمنًا يسيرًا على الحرف أو على الكلمة من غير تنفُّس. والله أعلم.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الدرس الخامس

في القلب والإخفاء وهما الحكمان الثالث والرابع

من أحكام النون الساكنة والتنوين


الحكم الثالث: القلب
القلب في اللغة: تحويل الشيء من وجه إلى آخر.
وفي الاصطلاح: جعل حرف مكان حرف آخر في اللفظ مع مراعاة الغنّة.
أو هو قلب النون الساكنة أو التنوين ميمًا مخفاة بغنة عند الباء. والغنة هنا بمقدار حركتين.
فإذا وقع حرف الباء بعد النون الساكنة، سواء كانت النون في وسط الكلمة أو في آخرها أو وقع بعد التنوين ولا يكون إلاّ في آخر الكلمة، وجب قلب النون الساكنة والتنوين ميمًا في اللفظ مخفاة بمقدار حركتين.
الأمثلةينبت ، ينبوعًا ، من بعد ، من بين ، سميعًا بصيرًا
ملاحظة: ينبغي إطباق الشفتين حال التلفُّظ بالقلب، لأن مخرج الميم والباء من الشفتين بانطباقهما، وينبغي للقارئ حال القلب عدم كزّ الشفتين وعدم تشديدهما، لأنه ينتج عنه إخراج غنة مظهرة، وهو ينافي معنى إخفاء الميم المقلوبة، لأن الإخفاء لا تشديد فيه بخلاف الإدغام ففيه التشديد، والقلب فيه إخفاء فليعلم.
الحكم الرابع:  الإخفاء الحقيقي
الإخفاء في اللغة: الست، تقول أخفيت الشيء إذا سترته.
وفي الاصطلاح: عبارة عن النطق بحرف ساكن عارٍ عن التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع مراعاة الغنة في الحرف الأول، وهو النون الساكنة والتنوين.
حروفه: وحروف الإخفاء خمسة عشر حرفًا، وهي الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الإظهار الستة، وحروف الإدغام الستة، وحرف القلب. وقد جمعت حروف الإخفاء الحقيقي في أوائل كلمات البيت التالي:
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما     دم طيبًا زد في تقى ضع ظالم
فإذا وقع بعد النون الساكنة سواء كانت في وسط الكلمة أو في آخرها، أو وقع بعد التنوين ولا يكون في إلاّ آخر الكلمة أحد الحروف السابقة، وجب إخفاء النون الساكنة والتنوين عندها، ويُسمى إخفاءً "حقيقيًا" ويجب في الإخفاء الغنّة التي بمقدار حركتين.
وإنما سُمّي إخفاءً، لإخفاء النون الساكنة والتنوين عند ملاقاتهما بحرفٍ من الحروف الخمسة عشر.
وسُمّيَ إخفاء النون الساكنة والتنوين "حقيقيًا"، لِتحَقُّق الإخفاء فيه أكثر من غيره، واتفاق العلماء على تسميته كذلك دون الإخفاء الشفوي الآتي بيانه، إن شاء الله تعالى.

أمثلة للنون الساكنة [من كلمة ومن كلمتين]
وللتنوين [ولا يكون إلاّ من كلمتين] عند حروف الإخفاء
الحرف
مع النون الساكنة في كلمة
مع النون الساكنة في كلمتين
بعد التنوين
الصاد
منصورًا
عن صلاتهم
قومًا صالحين
الذال
ءأنذرتهم
من ذا الذي
نفسٍ ذائقة
الثاء
منثورًا
من ثمرات
ماءً ثجّاجًا
الكاف
منكم
فمن كان
يومًا كان
الجيم
أنجيناكم
فمن جاءه
فصبرٌ جميل
الشين
أنشأ
فمن شاء
عبدًا شكورًا
القاف
انقلبتم
ولئن قتلتم
عليمٌ قدير
السين
منسيًا
من سوء
قولاً سديدًا
الدال
أندادًا
من دون
قنوانٌ دانية
الطاء
ينطقون
من طيبات
صعيدًا طيبًا
الزاي
أنزل
فإن زللتم
يومئذٍ زرقًا
الفاء
أنفسكم
لمن في
خالدًا فيها
التاء
أنتم
فمن تاب
جناتٍ تجري
الضاد
منضود
إن ضللت
قومًا ضالّين
الظاء
ينظرون
من ظهير
ظلاً ظليلاً
ملاحظات:
1- مما ذكرته من أحكام النون الساكنة والتنوين يتضح لك، أن كلاً من الإظهار الحلقي والقلب والإخفاء الحقيقي، يتحقق مع النون الساكنة في كلمة وفي كلمتين، وبعد التنوين ولا يكون إلاّ من كلمتين كما هو معلوم.
وأن الإدغام بقسميه لا يتحقق مع النون الساكنة إلاّ من كلمتين فقط، وبعد التنوين.
وأن الإظهار المطلق لا يتحقق إلاّ مع النون الساكنة في كلمة واحدة.
2- ينبغي على القارئ ملاحظة غنّة النون الساكنة والتنوين عند حروف الإخفاء ترقيقًا وتفخيمًا.
فتُفَخَّم الغنّة إذا وقع بعدها خمسة أحرف من حروف الإخفاء الحقيقي وهي: الصاد والضاد والطاء والظاء والقاف.
وتُرَقَّق الغنّة عند بقية حروف الإخفاء العشرة.
3- ينبغي على القارئ حال التلفُّظ بالإخفاء الحقيقي أن يُجافي لسانه عن مخرج النون الساكنة والتنوين، لئلا يخرج غنة مظهرة. والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



الدرس السادس

في

أحكام الميم الساكنة وحكم النون والميم المُشَدَّدَتين


أولاً- الميم الساكنة:
أما الميم الساكنة، فهي الخالية من الحركة نحو ﴿أم كنتم شهداء﴾.
ولها عند حروف الهجاء ثلاثة أحكام:
الإخفاء والإدغام والإظهار، وقد تقدّم معنى ذلك في أحكام النون الساكنة والتنوين.
الحكم الأول
الإخفاء الشفوي:
وهو أن تأتي الميم الساكنة في آخر الكلمة ويأتي بعدها حرف الباء في أول التالية نحو ﴿يعتصم بالله﴾، ﴿يوم هم بارزون﴾، ﴿إن ربهم بهم﴾.
حكمه:
الجواز، أي يجوز إخفاؤها أي إخفاء الميم الساكنة عند الباء بغنّة بمقدار حركتين، ويجوز إظهارها، أي إظهار الميم عند الباء، والوجهان صحيحان مقروءٌ بهما لجميع القُرّاء إلاّ أن الإخفاء هو الأَولى لإجماعهم على إخفاء الميم المقلوبة.
وأما كيفية التلفُّظ بالإخفاء الشفوي فكل ما ذكرته في ملاحظتي حال القلب من إطباق الشفتين من غير كَزّ يتحقق هنا أيضًا، لأن الميم المقلوبة حكمها الإخفاء فهما في اللفظ واحد، فلا فرق إذًا بين "أن بورك" وبين "يعتصم بالله".
الحكم الثاني
الإدغام الشفوي:
وهو أن تأتي الميم الساكنة في آخر الكلمة ويأتي بعدها ميم متحركة في أول الكلمة الثانية[11] نحو ﴿ولكم ما في﴾ و ﴿ولقد جاءكم موسى﴾ و ﴿إن كنتم مؤمنين﴾.
حكمه:
وحوب الإدغام، أي يجب إدغام الميم في الميم إدغامًا كاملاً بغنّة بمقدار حركتين. ويُسمى أيضًا هذا الحكم إدغام مثلين أو متماثلين صغير.
الحكم الثالث
الإظهار الشفوي:
وهو أن يأتي بعد الميم الساكنة -سواءً كانت الميم في وسط الكلمة أو في آخرها- بقية حروف الهجاء عدا الباء والميم نحو "أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" ونحو "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" ونحو "أتى أمر الله".
حكمه:
وجوب الإظهار، أي يجب إظهار الميم الساكنة عند ستة وعشرين حرفًا، ويكون الإظهار آكد وأشدّ عند الواو والفاء نحو ﴿هم فيها﴾، ﴿عليهم ولا الضّالين﴾.
وإنما كان الإظهار أشدّ عند الفاء والواو، لئلا تختفي الميم عندهما، وذلك لِقُرْب الفاء من الميم في المخرج، ولاتّحاد الواو مع الميم في المخرج.
وسُمِّيَ الحكم الأول إخفاءً شفويًا، والثاني إدغامًا شفويًا، والثالث إظهارًا شفويًا، لخروج الميم من الشفة.

ثانيًا- حكم النون والميم المشدّدتين
وأما حكم النون والميم المشددتين فإنه يجب إظهار الغنّة من النون والميم حال تشديدهما وقفًا ووصلاً، ويُسمى كل منهما حرف أغنّ أو حرفًا مشددًا أغنّ.
قال صاحب التحفة رحمه الله:
وغنّ ميمًا ثم نونًا شَدِّدا         وسَمِّ كُلاًّ حَرفَ غنّةٍ بَدا
ومقدار تشديدهما حركتان نحو "إنَّ" ، (ثُمَّ)، (محمَّد)، ﴿من الجِنّة والنّاس﴾.
والغنّة في اللغة: صوتٌ أرنّ في الخيشوم.
وفي الاصطلاح: صوت أغنّ مجهور شديد لا عمل للسان فيه، قيل إنه شبيه بصوت الغزالة إذا ضاع ولدها.
تنبـيه:
في إدغام الباء في الميم نحو ﴿يا بني اركب معنا﴾ غنة كاملة بمقدار حركتين، وتكون الغنة بمقدار حركتين أيضًا، حال إدغام النون الساكنة والتنوين في حروف (ينمو) وحال إخفائهما عند حروف الإخفاء الحقيقي، وحال قلبهما عند الباء، وحال إدغام الميم الساكنة في الميم، وحال إخفائها.
وعلى هذا أقول: إنّ مراتب الغنة خمس:
1- أقواها في المشدّد نحو (إنَّ) (ثمّ) ﴿من نّشاء﴾ ﴿صالحًا نُّؤتهما﴾ ﴿من مّال﴾ ﴿سررٍ مّرفوعة﴾ ﴿ولكم مّا﴾.
2- ثم المدغم نحو ﴿فمن يعمل﴾ ﴿خيرًا يره﴾ ﴿من وليّ ولا نصير﴾.
3- ثم المخفي ويشمل:
أ- غنة النون الساكنة والتنوين عند حروف الإخفاء الحقيقي نحو (من في) ﴿ماءً ثجّاجًا﴾ ونحو ذلك.
ب- غنة الميم المقلوبة عند الباء نحو (من بعد) ﴿سميع بصير﴾ وغنة الميم المخفية نحو ﴿هم بارزون﴾.
4- ثم المظهر نحو ﴿إن أنتم إلاّ﴾ في النون الساكنة والميم الساكنة ونحو ﴿سميعٌ عليم﴾ غنّة التنوين.
5- ثم المتحرك نحو (وما) و (نعمل) ونحو ذلك.
فالغنة في المراتب الثلاثة تكون كاملة، أي تكون بمقدار حركتين.
أما الرابعة والخامسة فالثابت فيها أصلها فقط، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الدرس السابع

في

بيان لام "ال" ولام الفعل وأحكامها


لام (ال)
تعريفها:
هي لام التعريف، وهي حرف زائد ساكن يدخل على الاسم.
أقسامها:
تنقسم (ال) إلى قسمين:
1- قسم يصح فيه تجريدها عن الكلمة نحو (المحسنين - المتقين).
2- وقسم لا يصح فيه تجريدها عنها، وهي على نوعين:
أ- الأسماء الموصولة نحو (التي - الذي، … إلخ)[12].
ب- و(ال) التي في الظرف نحو (الآن).
وحكم النوع الأول من الأسماء الموصولة:
وجوب الإدغام، أي إدغام (ال) في اللام التي بعدها، فهي من باب إدغام المثلين.
وحكم النوع الثاني:
وهي "الآن" وجوب الإظهار.
وكلامنا هنا عن القسم الأول أي التي يصح تجريدها عن الكلمة[13] ، فلها عند حروف الهجاء حكمان:
- الحكم الأول: وجوب الإظهار، فيجب إظهار (ال) إذا وقع بعدها أحد الحروف التالية:
(إبغ حجك وخف عقيمه).
الأمثلة: (الأرض - البر - الغني - الحج - الجنة - الكريم - الوهاب - الخالق - الفتاح - العليم - القدير - اليوم - المتعال - الهادي) وما شابه ذلك.
ويُسمى هذا الإظهار إظهارًا قمريًا، وتُسمى اللام قمرية.
وإنما سُمِّيَ إظهارًا، لظهور اللام عند حروف (ابغ حجك… إلخ).
وسُمِّيَ قمريًا، وذلك للفرق بينه وبين الإظهار الحلقي والمطلق والشفوي.
وإنما سُميت اللام قمرية، وذلك على طريقة التشبيه، فقد شَبّهنا حروف (إبغ حجك وخف عقيمه) بالقمر، وشبّهنا (ال) التي للتعريف بالنجوم، فإذا ظهر القمر، ظهرت النجوم، وكذلك إذا ظهرت حروف (إبغ حجك وخف عقيمه) ظهرت (ال) عندها، أو سُميت قمرية، نسبةً إلى اللام المظهرة في لفظ القمر.
وعلة هذا الإظهار: هو بعد مخرج حروف (إبغ حجك وخف عقيمه) عن مخرج اللام.
- الحكم الثاني: وجوب الإدغام، فيجب إدغام (ال) إذا وقع بعدها باقي حروف الهجاء عدا حروف الإظهار القمري، وقد جمعت حروف هذا الإدغام في أوائل كلمات البيت التالي:
طب ثم صل رحمًا تفز ضف ذا نعم           دع سوء ظنٍّ زر شريفًا للكرم
فإذا وقع بعد (ال) حرفٌ من حروف أوائل البيت السابق وجب إدغام (ال) في ذلك الحرف إدغامًا كاملاً.
ويُسمى إدغامًا شمسيًا واللام شمسية، وإنما سُمي إدغامًا لإدغام (ال) في الحرف الذي بعده، وسُمي شمسيًا، وذلك للفرق بينه وبين الإدغام بغنة وبغير غنة، والإدغام الصغير (المثلين) أي المتماثلين وغيره[14] .
وإنما سُميت اللام شمسية، وذلك على طريق التشبيه، فقد شبّهنا حروف الإدغام الشمسي، وهي الحروف الأولى من (طب ثم صل رحما… إلخ) بالشمس وشَبَّهنا (ال) بالنجوم، فإذا ظهرت الشمس اختفت النجوم وكذلك إذا ظهرت حروف (طب ثم صل رحمًا… إلخ) اختفت (ال) عندها.
أو سُميت شمسية، نسبةً إلى اللام المدغمة في لفظ الشمس.
وعلة هذا الإدغام: التماثُل والتقارُب.
فالتماثُل في اللام، والتقارُب عند بقية الحروف.
أمثلة للإدغام الشمسي: (الطيبات - الثواب - الصالحين - الرحمن - التواب - الضلالة - الذاكرين - النعيم - الداع - الظانّين - الزبور - الشمس - الليل).
لام الفعل
تعريفها:
هي اللام الساكنة الواقعة في الفعل.
حكمها: لها حكمان:
الأول: وجوب الإدغام: يجب إدغام لام الفعل إذا وقع بعدها لام أو راء، وذلك إذا كانت في آخر الكلمة، واللام والراء في أول الكلمة التالية. مثل ﴿واجعل لّي﴾ ﴿فلا تقل لَّهما﴾ ﴿وقل رَّب زدني علمًا﴾.
الثاني: وجوب الإظهار: سواء كانت اللام في فعلٍ ماضٍ أو مضارع أو أمر، فإنه يجب إظهارها بشرط ألاّ يقع بعدها لام وراء، وذلك إذا كانت اللام في آخر الكلمة واللام والراء في أول الكلمة[15] التالي نحو (جعلنا - قلنا - التقى - يلتقطه - قل نعم - قلْ تعالوا).
علّة الإدغام: التماثُل في اللام والتقارُب في الراء.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الدرس الثامن

في

بيان لام الحرف ولام الأمر ولام الاسم وبيان أحكامها


لام الحرف
تعريفها:
هي اللام الساكنة التي في هل - بل.
حكهما: لها حكمان:
- الأول: وجوب الإدغام، وذلك إذا وقع بعد هل أو بل لام أو راء نحو (هل لك - بل لا تكرمون - بل ربكم - بل رفعه). واعلم أنه لم يقع في القرآن الكريم راء بعد هل.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن بل يجب إدغامها إذا وقع بعدها راء في جميع القرآن، عدا موضع واحد، وهو قوله تعالى في سورة المطففين ﴿كلاّ بل ران﴾ فإن لحفص على (بل) السكت، والسكت يمنع الإدغام.
الثاني: وجوب الإظهار: يجب إظهار لام الحرف التي في هل وبل إذا لم يقع بعدها لام ولا راء مثل (هل أتى على الإنسان - هل أدلكم - بل يريد - بل كنتم).
لام الاسم
تعريفها:
هي اللام الساكنة الأصلية الواقعة في الاسم، ولها حكمٌ واحد، وهو وجوب الإظهار مثل (سلطان - سلسبيلا - ألفافا - ألسنتكم - ألوانكم).
لام الأمر
تعريفها:
هي اللام الساكنة الداخلة على الفعل والمسبوقة بالفاء والواو وثم العاطفة.
حكمها: وجوب الإظهار أيضًا.
مثال: (فلينظر - فلينفق - فلتأت - ثم ليقضوا - ثم ليقطع - وليوفوا - وليطوفوا).


الدرس التاسع

في

المدّ والقـصـر

المدّ لغةً: الزيادة، ومنه قوله تعالى: ﴿ويمددكم بأموالٍ وبنين﴾ أي يزدكم.
واصطلاحًا: إطالة زمن الصوت بحرف المد.
حروف المد: حروف المد ثلاثة وهي:
1- الألف الساكنة، ولا يكون ما قبله إلاّ مفتوحًا نحو (قال).
2- الواو الساكنة المضموم ما قبلها نحو (يقول).
3- الياء الساكنة المكسور ما قبلها نحو (قيل).
وجُمِعَت حروف المدّ في كلمة (نوحيها).
فإنَّ شرط المد، فتح ما قبل الألف، وضم ما قبل الواو، وكسر ما قبل الياء. وتُسمى هذه الحروف المتقدمة حروف مد ولين، وإنما سُميت بحروف المد، لامتداد الصوت عند النطق بها، وسُميت بحروف اللين لخروجها من غير كلفة على اللسان.
وكما سميت بحروف المد واللين، سميت أيضًا بالجوفية والهوائية، وإنما سميت جوفية لخروجها من الجوف،  وهوائية لقيامها بهواء الفم.
فالحاصل: أن الألف لها حالة واحدة، وهي كونها حرف مد ولين، أي لا تكون إلاّ ساكنة بعد فتح، وأما الواو والياء فلهما حالتان:
1- كونهما حرفَي مد ولين إذا سكنت الواو بعد ضم، وسكنَت الياء بعد كسر.
2- وكونهما حرفَي لين فقط، وذلك إذا سكنا وانفتح ما قبلهما نحو (خوف - بيت).
إذا عرفت هذا فاعلم:
أن المدّ ينقسم إلى قسمين: أصلي وفرعي[16] .
1- فالمد الأصلي: هو حرف المد واللين الذي ليس قبله همز، وليس بعده همز ولا سكون.
أو هو الطبيعي الذي لا تقوم ذات الحرف إلاّ به، ولا يتوقف على سبب من همز أو سكون نحو ﴿قالا ربنا ظلما أنفسنا وإن﴾ و﴿اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا﴾ و﴿توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين﴾، ويُسمى طبيعيًا وذاتيًا.
وإنما سُمي أصليًا، لأنه أصلٌ للمد الفرعي.
وسُمي طبيعيًا، لأن صاحب الطبيعة السليمة لا ينقصه عن حده المقرَّر له ولا يزيد عليه.
وسُمي ذاتيًا، لأن ذات الحرف لا تتحقق إلاّ به ولا يوجد المد على اللسان إلاّ بهذه الحروف.
حكمه: يجب مدّه بمقدار حركتين، والزيادة عن الحركتين أو النقصان حرام شرعًا.
2-  المَدّ الفرعي: هو إطالة زمن الصوت بحرف المد عند ملاقاة همز أو سكون.
أو هو حرف المد واللين الذي قبله همز أو الذي بعده همز أو سكون.
فإذن الهمز والسكون هما السببان الموجبان لزيادة مقدار المد الفرعي على مقدار المد الأصلي، وإن كانت هذه الزيادة واجبة أو جائزة كما سيأتي بيانها.
فالهمز سبب لثلاثة أنواع من المد.
والسكون سبب لنوعين اثنين.
فأما الهمز الذي هو سبب لثلاثة أنواع من المد وهي:
1- البدل.             2- المتصل.                  3- المنفصل.

وإليك بيانها مفصّلةً مع بيان حكمها ومقدار مدّها في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



الدرس العاشر

في

بيان أنواع المَدّ الذي بسبب الهمز


المَدّ الذي بسبب الهمز على ثلاثة أنواع، وإليك بيانها.
1- البدل.             2- المتصل.          3- المنفصل.
النوع الأول: مَدّ البدل
وهو أن يتقدّم فيه الهمز على حرف المد نحو (ءامنوا - أوتوا - إيمان).
وسُمي بدلاً لإبدال الهمزة الثانية الساكنة حرف مد تجانس الحركة التي قبلها، فإن أصل آمنوا أأمنوا بهمزتين الأولى متحركة والثانية ساكنة فأبدلت الهمزة الثانية الساكنة حرفَ مدّ وهو الألف حتى يناسب الفتحة التي على الهمزة الأولى حسب القاعدة.
وكذلك القول في (أوتوا - إيمان)، فأوتوا أُبدِلَت الهمزة الثانية واوًا، لأن الهمزة الأولى مضمومة، أما (إيمان) فأُبدِلَت الهمزة الثانية ياءً، لأن الهمزة الأولى مكسورة.
والحاصل أنه سُمي بدلاً لإبدال الهمزة الثانية حرفَ مدّ تجانس الحركة التي قبلها، وهذه التسمية على الغالب والكثير، لأن هناك من مدّ البدل ليس أصله من همزتين نحو (قرءان - مسؤولا - المئاب) ويُسمى هذا النوع شبيهًا بالبدل، لأنه أشبه مد البدل لتقدُّم الهمزة على حرف المد فاعلم.
حكمه: الجواز: أي يجوز مدّه وتوسطه وقصره إلاّ أن حفصًا يمده بمقدار حركتين فقط.

النوع الثاني: المَدّ المتصل
وهو أن يأتي بعد حرف المد همزة في كلمة واحدة نحو (الملائكة - هنيئًا - مريئًا - سيئت - السوء) وسُمي متصلاً، لاتصال الهمزة مع حرف المد في كلمة واحدة، أو لاتصال المد مع الهمزة في كلمة واحدة.
حكمه: الوجوب وحفص يمده 4 أو 5 حركات وصلاً ووقفًا إلاّ إذا وقعت الهمزة متطرفة ووقف على المد نحو (شاء ، جاء ، السوء ، جيء) فيمد حنيئذٍ في الوقف 4 أو 5 أو 6 حركات.
النوع الثالث: المدّ المنفصل
وهو أن يأتي المد في آخر الكلمة، والهمزة في أول الكلمة التالية، نحو (بما أنزل - قوا أنفسكم - وفي أنفسكم)، وسُمي منفصلاً لانفصال الهمزة عن حرف المد في كلمة ثانية أو لانفصال المَدّ عن الهمزة في كلمة ثانية.
حكمه: الجواز: أي يجوز مَدّه وتوسّطه وقصره، ولكن حفصًا يمده 4 أو 5 حركات، ولا يتحقق إلاّ في الوصل إذا كان حرف المد ثابتًا رسمًا ولفظًا[17] .
وأما السكون، فهو سببٌ لنوعين اثنين، وذلك إمّا أن يأتي بعد حرف المَدّ سكون عارض أو سكون لازم، وإليك بيان ذلك في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الدرس الحادي عشر

في

بيان أنواع المَدّ الذي بسبب السكون


المَدّ الذي بسبب السكون على نوعين، وذلك إذا أتى بعد حرف المد سكون إما أن يكون عارضًا أو لازمًا.
- فالأول يُسمى بالمَدّ العارض للسكون.
- والثاني يُسمى بالمَدّ اللازم، وإليك بيان ذلك:

النوع الأول: المَدّ العارض للسكون
وهو أن يأتي بعد حرف المَدّ حرفٌ متحرك في آخر الكلمة يسكّن هذا الحرف في الوقف، لأن الوقف لا يكون إلاّ على ساكن، فيكون قد عرض على المد سكونٌ عارض في الوقف نحو (الغفّار - الغفور - البصير) في حالة الوقوف.
حكمه: الجواز، أي يجوز قصره وتوسّطه ومده، وهذه الأوجه الثلاثة جائزة لحفص ولغيره من القرّاء، والمد هو الأولى.

النوع الثاني: المد اللازم
وهو أن يأتي بعد حرف المد سكونٌ ثابت، أي لازم في الحالين، أي في الوصل والوقف على أن يكون حرف المد والسكون في كلمة واحدة أو في الحرف.
حكمه: اللزوم. وذلك للزوم سببه في الحالين، ولِذا سُمي لازمًا، أو سُمي لازمًا للزوم مَدّه ست حركات لجميع القرّاء.
فالمَدّ اللازم بأنواعه الأربعة الآتية يُمَدّ 6 حركات.

أقسام المَدّ اللازم:
ينقسم المَدّ اللازم إلى قسمين: كلمي، وحرفي، وكل منهما ينقسم إلى قسمين: مثقّل ومخفّف. وإليك بيان كل قسم:
1- المدّ اللازم المثقل الكلمي: وهو أن يأتي بعد حرف المد سكون مدغم وجوبًا في كلمة واحدة نحو (الحاقّة - الصاخّة - الطامّة - الضالّين - أتأمروني).
وسُمّي لازمًا، للزوم سببه في الوصل والوقف وهو السكون.
وسُمي مثقلاً، لوجود التشديد بعد حرف المد.
وسُمي كلميًا، لأن المَدّ والسكون وقعا في كلمة واحدة.
2- المَدّ اللازم المخفف الكلمي: وهو أن يأتي بعد حرف المد سكون لازم غير مدغم في كلمة واحدة، ولم يقع من هذا النوع في القرآن الكريم إلاّ في موضعين اثنين هما في سورة يونس في قوله تعالى: ﴿ءالئن وقد كنتم به تستعجلون﴾، ﴿ءالئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾.
وسُمي لازمًا لِما تقدّم، وسُمي مخففًا لعدم التشديد بعد حرف المَدّ، وسُمي كلِميًا لأن حرف المَدّ والسكون وقعا في كلمة واحدة.
3- المَدّ اللازم المثقّل الحرفي: وهو الموجود في بعض فواتح السور، في الحرف الذي هجاؤه من ثلاثة أحرف أوسطها حرف مد، والثالث ساكن مدغم وجوبًا نحو: اللام من ألم، والسين من طسم.
وسُمي لازمًا لِما تقدّم، وسُمي مثقلاً لوجود التشديد بعد حرف المد، وسُمي حرفيًا لأن المد والسكون وقعا في الحرف لا في الكلمة.
4- المَدّ اللازم المخفف الحرفي: وهو الموجود في بعض فواتح السور في الحرف الذي هجاؤه ثلاثة أحرف أوسطها حرف مد، والثالث ساكن غير مدغم، نحو ﴿قّ والقرآن  ﴿ ن والقلم ﴾ ﴿ ص والقرآن ذي الذِكروالسين من (يسّ) والكاف والعين والصاد من (كهيعص).
وسُمي لازمًا لِما تقدّم، وسُمي مخففًا لعدم التشديد بعد حرف المد، وسُمي حرفيًا لأن المد والسكون وقعا في الحرف.
وقد جُمعت حروف المد اللازم الحرفي بنوعيه في قولك (نقص عسلكم) أو (كم عسل نقص).
تتمـة:
هناك في بعض فواتح السور من الحروف ما يُمَدّ حركتين فقط، وما لا يُمَدّ أصلاً، فالذي يُمَدّ حركتين خمسة أحرف جُمِعَت في قولك (حي طهر) وتُسمى هذه الحروف بالمد الطبيعي الحرفي، أو بالمد الطبيعي الثنائي، لأن هجاء هذه الأحرف من حرفين. والذي لا يُمَدّ أصلاً هو الألف، فلا مدَّ فيها، لأنه لا يوجد في وسطها حرف مد.
والحاصل: أن فواتح بعض السور تنقسم إلى أربعة أقسام:
1- ما لا يُمَدّ أصلاً، وهو الألف.
2- ما يُمَدّ حركتين وهي حروف (حي طهر).
3- ما يُمَدّ ست حركات وهي حروف (نقص عسلكم).
4- ما يُمَدّ أربع حركات أو ست حركات هي العين فقط في فاتحتي (مريم) و(الشورى).
ويجمع الألف و (حي طهر) و (نقص عسلكم) قول الشيخ الجمزوري في التحفة (صله سحيرًا من قطعك).
وبنهاية هذا الدرس، نكون قد ذكرنا أهم المدود، وهناك بعض المدود التي ترجع إلى المد الأصلي أو إلى المد الفرعي تركتُ ذِكرها اختصارًا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الدرس الثاني عشر والثالث عشر

في

بيان تنبيهات متعلقة بالمدود



التنبيه الأول: في وجوب تسوية المدود التي من جنسٍ واحد:
1- إذا اجتمع مَدّان متصلان مثل: ﴿أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون﴾ فإنه لا يجوز مَدّ أحدهما دون الآخر، بل تجب التسوية.
2- وكذلك إذا اجتمع مَدّان منفصلان مثل ﴿بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك﴾ فإنه يجب التسوية أيضًا.
3- ويجب التسوية كذلك في المدود العارضة للسكون، إما بالقصر أو التوسُّط أو الطول، وقد أشار الإمام ابن الجزري إلى هذا المعنى بقوله: "واللفظ في نظيره كمثله".

التنبيه الثاني: في مراتب المدود:
اعلم أن للمد مراتب، وترتيبها كالآتي:
اللازم فالمتصل فالعارض فالمنفصل فالبدل، وقد قال العلامة السمنودي في لآلي البيان:
أقوى المدود لازمٌ فما اتّصَلْ
وسببا مَدٍّ إذا ما وُجِدا


فعارضٌ فذو انفصالٍ فبدَل
فإنَّ أقوى السّبَبين انفرَدا

ومعنى هذا، أنه إذا اجتمع في الكلمة سببان للمد، أحدهما قوي والآخر ضعيف، عُمِلَ بالقوي وأُلغيَ الضعيف، كما في كلمة (رئاء) من قوله تعالى: ﴿والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس﴾ فإن فيها بدلاً ومتصلاً، والمتصل أقوى من البدل، فيُعمَل بالمتصل، ويُلغى البدل.
وكذلك في حال الوقف عليها، فإن فيها متصلاً وعارضًا، والمتصل أقوى من العارض فيُعمَل بالمتصل ويُلغى العارض، ويُسمى متصلاً عارضًا.
وكذلك إذا وقف على نحو (القرءان) من قوله تعالى: ﴿الرحمن علّم القرءان﴾، فإنه يصير فيه بدل وعارض، والعارض أقوى من البدل، فيُعمَل بالعارض ويُلغى البدَل.
وكذلك إذا قرأ القارئ ﴿وجاءوا أباهم﴾ من قوله تعالى: ﴿وجاءوا أباهم عشاءً يبكون﴾ فإنه يصير في ﴿وجاءوا أباهم﴾ مَدّان منفصلان وبدَل، لأن حرف المد، وهو الواو، اجتمع عليه سببان للمَدّ، سبب البدل وسبب المنفصل، والمنفصل أقوى من البدَل، فيعمل به، ومنه ﴿ولا ءامّين البيت الحرام﴾ ففيه بدل ولازم، فيُعمَل باللازم، ويُلغى البدل، وعلى هذا فَقِس.
التنبيه الثالث:
في اجتماع المَدّ العارض للسكون مع اللين العارض للسكون وتقدم المد وتأخر اللين، كما إذا وقف على (القتال) وعلى (مائتين) من قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين﴾ فإن قُرِئ بالقصر في الأول، قُرِئَ بالقصر في الثاني.
وإن قُرئ بالتوسط في الأول، قُرِئَ بالتوسُّط في الثاني وجاز القصر.
وإن قُرئ بالمدّ في الأول، قُرئ بالمَدّ في الثاني وجاز التوسُّط والقصر.
القتال
مائتين
2
2
4
4 + 2
6
6 + 4 + 2
وإن كان العكس بأن كان اللين أولاً والمد ثانيًا كما إذا وقف على (لا ريب) وعلى (المتقين) من قوله تعالى: ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين﴾.
فإن قُرئ بالقصر في الأول، قُرئ بالقصر في الثاني وجاز التوسُّط والمَدّ.
وإن قُرئ بالتوسط في الأول، قُرئ بالتوسُّط في الثاني وجاز المَدّ.
وإن قُرئ بالمَدّ في الأول، قُرئ بالمَدّ فقط في الثاني.
لا ريب
للمتقين
2
2 + 4 + 6
4
4 + 6
6
6



التنبيه الرابع: في بيان هاء الضمير وما أُلحِقَ بها من حيث المَدّ والقصر.
هاء الضمير: هي الهاء الزائدة عن بنية الكلمة الدالّة على المفرد المذكّر الغائب، وأصلها الضم إلاّ أن يقع قبلها كسر أو ياء ساكنة مطلقًا فتكسر حينئذٍ.
وتتصل هاء الضمير بالاسم نحو ﴿اسمه أحمد﴾ وبالفعل نحو ﴿قلته فقد علمته تعلم﴾ وبالحرف (قال له) وكما تُسمى بهاء الضمير، تُسمى بهاء الكناية، لأنها يُكنّى بها عن المفرد المذكر الغائب. وتُسمى أيضًا بمَدّ الصلة.
أقسامها: تنقسم إلى قسمين: صلة صغرى، أو قصيرة، وصلة كبرى، أو طويلة.
ويُشترَط للمد فيها، أن تقع الهاء بين متحركين.
فالصُغرى: إذا لم يأتِ بعدها همز نحو ﴿إن ربه كان به بصيرا﴾ فتُمَدّ حركتين.
والكبرى: إذا وقع بعدها همز نحو ﴿وله أجر عظيم﴾ ﴿ومن آياته أن خلقكم﴾ وتمد أربع أو خمس حركات كالمد المنفصل.
ويُلاحَظ أن صلة هذه الهاء في القسمين إما بواب لفظية أو بياء لفظية، ولا يكون ذلك إلاّ في حالة الوصل، فتوصل بواو لفظية، إذا كانت مضمومة أو بعد فتح كقوله سبحانه وتعالى: ﴿إن كنت قلته فقد علمته﴾ وبياء لفظية، إذا كانت مكسورة، ولا يكون قبلها إلاّ مكسور نحو قوله تعالى: ﴿ولا يشرك في حكمه أحدا﴾[18] .
ويُستثنى من هذا الكلمات التالية: فلا صلة فيها لحفص:
1- ﴿أرجه﴾ في موضعيه في الأعراف آية/111، وفي الشعراء آية/36.
2- ﴿يتقه﴾ بالنور آية/52.
3- (فألقه﴾ بالنمل آية/28.
4- ﴿يرضه لكم﴾ بالزمر آية/7.
أما ﴿أرجه﴾ في الموضعين وكذلك ﴿فألقه﴾ فقرأ حفص بإسكان الهاء وصلاً ووقفًا.
وأما ﴿يتقه﴾ فقرأ بقصر الهاء، لأنه يسكن القاف قبلها.
وأما ﴿يرضه﴾ فقرأ بقصر الهاء، أي حذف حرف المد الذي هو صلة الهاء.
هذا وإذا وقع قبلها ساكن، أو بعدها ساكن، أو وقعت بين ساكنين، فلا تُمَدّ نحو:﴿فيه هدى﴾  و﴿ليرضوه﴾ ﴿له الملك وله الحمد﴾ ﴿وآتيناه الإنجيل﴾.
يُستثنى لحفص كلمة (فيه) من قوله تعالى ﴿ويخلد فيها مهانا﴾ بالفرقان، فوصل الهاء من فيه بياء لفظية في الوصل.
هذا، ويلحق بهاء الضمير في الحكم الهاء في اسم الإشارة للمفردة المؤنثة في لفظ (هذه) في عموم القرآن الكريم فتوصل بياء لفظية في الوصل، إذا وقعت بين متحركين كقوله تعالى: ﴿وقالوا هذه أنعام﴾ ﴿هذه بضاعتنا ردت إلينا﴾.
وتحذف صلتها وصلاً لالتقاء الساكنين، إذا وقعت قبل الساكن، كقوله: ﴿عن هذه الشجرة﴾.
وتمد أربع أو خمس حركات إذا وقع بعدها همز، وتمد حركتين إذا لم يقع بعدها همز.
وهذه الهاء لم توصل بواو، لأنها لم تقع مضمومة مطلقًا، ولم تقع ساكنة في الوصل فخالفت هاء الضمير في هاتين المسألتين، والله أعلم.

وأكتفي بهذا القدر من أحكام التجويد للمرحلة الأولى، لدورة تلاوة وحفظ وتجويد القرآن الكريم.
وإلى اللقاء في الجزء القادم إن شاء الله تعالى.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



فهرست الجزء الأول من كتاب

دروس في تجويد القرآن الكريم برواية الإمام حفص من الشاطبية


رقم
عنوان الموضوع
الصفحة
1
تقديم سعادة الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة
1
2
مقدمة الكتاب للمؤلف
3
3
الدرس الأول في مبادئ علم التجويد
7
4
الدرس الثاني في الاستعاذة والبسملة وما يتعلق بهما من أحكام
9
5
الدرس الثالث في أحكام النون الساكنة والتنوين، وبيان الحكم الأول، الإظهار الحلقي
11
6
الدرس الرابع في الإدغام
13
7
الدرس الخامس في القلب والإخفاء
15
8
الدرس السادس في أحكام الميم الساكنة، وحكم النون والميم المشدّدتين
18
9
الدرس السابع في بيان لام ال ولام الفعل وأحكامهما
21
10
الدرس الثامن في بيان لام الحرف ولام الأمر ولام الاسم وبيان أحكامها
24
11
الدرس التاسع في المَدّ والقصر وبيان حروف المد وأقسامه
25
12
الدرس العاشر في بيان أنواع المد الذي بسبب الهمز، مد البدل، مدّ المتصل، مد المنفصل
26
13
الدرس الحادي عشر في بيان أنواع المد الذي بسبب السكون، المد العارض للسكون، المد اللازم بأقسامه الأربعة
29
14
الدرس الثاني عشر والثالث عشر في ذكر تنبيهات متعلقة بالمدود:
أ- التنبيه الأول في مراتب المدود.
ب- التنبيه الثاني في وجوب تسوية المدود التي من جنس واحد.
ج- التنبيه الثالث في اجتماع المد العارض للسكون مع اللين العارض للسكون والعكس.
د- التنبيه الرابع في بيان هاء الضمير وما أُلحق بها من حيث المد والقصر.
32
15
فهرست الجزء الأول من كتاب "دروس في تجويد القرآن الكريم"
37




[1] رواه الترمذي من حديث سيدنا علي كرم الله وجهه، وانظر كتاب (فضائل القرآن) باب ما جاء في فضل قارئ القرآن 5/171.
[2] رواه البخاري من حديث سيدنا عثمان رضي الله عنه، فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه 9/74، حديث 5027.
[3] انظر الحديث بنصه في صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، 9/43، ورواه في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، 6/928 حديث 3624، وقد نقل الإمام المحقق أحمد القسطلاني عن البرماوي والكرماوي: أن فائدة مدارسة النبي صلى الله عليه وسلّم لجبريل القرآن كل سنة، تعليمه صلى الله عليه وسلّم تجويد لفظه، وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها، وليكون سُنّةً في حق الأمة، لتجويد التلامذة على الشيوخ قراءتهم. اهـ.
[4] انظر الحديث بنصه في البخاري في مناقب أُبيّ 7/127، وفي باب التفسير باب سورة البيّنة 8/755.
[5] انظر سيرة ابن هشام 4/205.
[6]  انظر سير أعلام النبلاء للذهبي 261.
[7] ودرست القرآن الكريم في المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية، لكن بصفة غير رسمية، وكما ذكرت لأظل خادمًا للقرآن الكريم، فلله الحمد والمنة، وقد عينت مدرسًا للقرآن الكريم وتجويده بعد المرحلة الجامعية في دولة الكويت، حماها الله تعالى من كل شر، في دار القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وانتدبت لتدريس القرآن الكريم وتجويده في جامعة الكويت، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مدة عشر سنوات، وكذلك انتدبت إلى التدريس في كلية التربية الأساسية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بالكويت أيضًا، وغير ذلك من الأعمال التي لها صلة بالقرآن الكريم، فالحمد لله على نعمه، وأسأله سبحانه وتعالى أن يزيدني شكرًا عليها (ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)، آمين يا رب العالمين.
[8] الزُّهْرَة: البياض والحسن، والزُّهْرة نجم معروف.
[9] اعلم أن البسملة في أوائل السور حكمها الوجوب الصناعي، وفي غير الأوائل حكمها الجواز.
[10] فلا إدغام فيها لئلا تشتبه بالمضعف، والمضعف ما تكرر أحد أصوله كصوّان ورمّان وريّان.
[11] اعلم أنه يتحقق التماثل في كلمة نحو (دمّر) ونحوها - وعدم ذكر ذلك هنا مراعاةٌ لما يقتضيه الحال.
[12] ويعبر عنها بالزائدة اللازمة
[13] ويعبر عنها بالزائدة غير اللازمة.
[14] من المتجانسين والمتقاربين، والمُراد بالصغير هو أن يكون الحرف الأول ساكنًا والثاني متحركًا.
[15] اعلم أنه لا تقع اللام أو الراء بعد الفعل إلاّ إذا كان الفعل أمرًا فانتبه.
[16] ويُسمى أيضًا بالمد المزيدي.
[17] أما إذا كان حرف المد ثابتًا لفظًا محذوفًا رسمًا، فالمد في هذه الحالة يتحقق في الحالين نحو (يأيها - هأنتم) وعلى هذا فمَدّ المنفصل ينقسم إلى قسمين: حقيقي وحكمي. فالحقيقي: أن يكون حرف المد ثابتًا رسمًا ولفظًا نحو (بما أنزل - قوا أنفسكم - وفي أنفسكم)، والحكمي: أن يكون حرف المد ثابتًا لفظًا محذوفًا رسمًا، وذلك إذا وقع الهمز بعد ها التنبيه ويا النداء في نحو (يأيها - هأنتم).
[18] أما في حالة الوقف فلا خلاف بين القرّاء في أنه بالسكون.

No comments:

Post a Comment